للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطة عسكرية قائمة على الغلبة، والفرار في حال الهزيمة، فعزل معظم النساء في مكان أمين؛ لئلا يقعن في السبي إذا دارت الدائرة عليه، وأحاط نفسه بأربعين فارسًا من أشد فتيان بن أسد.

تميز جيش طليحة بميزتين هما الكثرة العددية، والراحة فقد زاد عدد أفراد جيشه عن عدد أفراد جيش خالد بألف مقاتل، أو أكثر مع وفرة السلام والركائب، كما كان مرتاحًا في دياره، على عكس الجيش الإسلامي الذي كان على أفراده أن يقاتلوا بعد سير مئات الأميال في الأودية والجيال١، وشغلت نجد كلها بهذه المعركة التي أضحت على الأبواب.

التفت قيس، وبنو أسد حول طليحة، واستعدوا للقتال، فأشارت جماعة من طيء على خالد أن يحارب قيسًا، ويعدل عن بني أسد، وذلك لحلف كان بينهم في الجاهلية كما أشرنا، وإن دل هذا الطلب على شيء، فإنه يدل على أن القوم لا زالوا يفكرون بالعصبية الجاهلية، وينظرون بالعين القبلية، وأن الإسلام لم يتجذر في قلوبهم، وأن عودة طيء عن ردتها كانت بدافع الواقع السياسي والعسكري.

عارض عدي بن حاتم هذا التوجه، وكان خالد حريصًا على ألا يسمح لأي انشقاق يحصل داخل صفوف قواته، فهو بحاجة إلى كل مقاتل، نظرًا لشدة بأس عدوه الذي يحارب على أرضه، فأقنع عديًا بمجاراة قومه، وهكذا قاتلت طيء قيسًا، وقاتل سائر المسلمين سائر بني أسد٢.

والتحم الجيشان في رحى معركة ضاربة انتهت بانتصار المسلمين، وانفض الفزاريون عن طليحة بعد أن اكتشفوا أنه كاذب، فطاردهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، وكان عيينة من بين الأسرى، ولاذ طليحة بالفرار حتى النقع من منازل كلب على تخوم بلاد الشام، وقتل من جيشه خلق كثير، وعاد من بقي عن ردته٣.

وعندما علم طليحة بتحول كفة الصراع إلى جانب المسلمين، وبلغه ما لقيت أسد، وغطفان من الشدة، وعودة من ارتد منهم إلى الإسلام، أسلم وحسن إسلامه بعد ذلك، واشترك في معركة القادسية، وحفظ له عمر مكانته، ورأيه في الحرب، فكتب إلى النعمان بن مقرن، أحد قادة جيوش فتح العراق، "أن استعن في حربك بطليحة، وبعمرو بن معدي كرب"، ولقد استشهد في معركة نهاوند٤.


١ العقاد: ص٨٥.
٢ الطبري: ج٣ ص٢٥٥.
٣ المصدر نفسه: ص٢٥٥- ٢٥٧.
٤ المصدر نفسه: ص٢٦١، ونهاوند مدينة عظيمة قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام. الحموي: ج٥ ص٣١٣.

<<  <   >  >>