للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في البزاخة أن يعودوا إلى منازلهم ليساعدوهم في التصدي لزحف المسلمين، وسمح لهم طليحة بالعودة، فانضم بذلك خمسمائة مقاتل من الغوث إلى صفوف المسلمين١.

ارتحل خالد بعد ذلك إلى الأنسر٢ يريد جديلة، فتدخل عدي بن حاتم أيضًا، وأقنع الجديليين بالعودة إلى حظيرة الإسلام، ويبدو أن انضمام الغوث إلى المسلمين، شكل دافعًا لهؤلاء لتغيير موقفهم، وانضم خمسمائة مقاتل منهم إلى صفوف خالد، فأضحى عدد جنوده خمسة آلاف٣، كما انضمت سليم إلى صفوف المسلمين، وكانت لا تزال مترددة إلى أن زحف خالد نحو بني أسد، فخشيت على نفسها.

والواقع أن بعض القبائل التي صنفها المؤرخون في عداد المرتدين، مثل طيء، كانت في الحقيقة ضحية مزيج من عدة مشاعر تفاعلت في أبنائها نتيجة عدم تجذر العقيدة الإسلامية في قلوبهم، بالإضافة إلى وقوعهم تحت تأثير التقاليد الجاهلية وأفكارها، ثم ارتباطهم بروابط الأحلاف، وحسن الجوار مع قبائل أخرى، هذا فضلًا عما رأوه في بعض أحكام الإسلام من تضييق على حريتهم، وانتقاص من سطوتهم، وتحملهم أعباء هم في غنى عنها٤، ومثل هؤلاء، كانوا بحاجة إلى مزيد من الإقناع، والموعظة الحسنة، والتعريف بأحكام الإسلام وأهدافه، ويتعذر تحقيق ذلك في بضع سنين.

ومهما يكن من أمر، فقد بلغت أنباء التحولات الجديدة طليحة في البزاخة، فاغتم، لكنه أصر على موقفه، وشجعه عيينة بن حصن الفزاري الذي كان يكن الحقد على أبي بكر والمسلمين.

ويبدو أن طليحة، على الرغم من أنه اتصف بالشجاعة والحذر، لم يستطع مخالفة عيينة بعد أن انسحبت جموع طيء من صفوفه، خيشية من انقلابه عليه، وتعريض حياته للخطر، وآثر البقاء حيث هو منتظرًا قدوم خالد، وعسكر على ماء آخر يقال له الغمر٥.

وبث طليحة العيون على فجاج الصحراء حتى لا يؤخذ على غرة، وعلم منهم بزحف المسلمين قبل أن يصلوا إلى بزاخة، فعبأ قواته استعدادًا للمواجهة، ووضع


١ الطبري: ج٣ ص٢٥٣، ٢٥٤.
٢ الأنسر: ماء لطيء دون الرمل قرب الجبلين أجأ وسلمى، الحموي: ج١ ص٢٥٦.
٣ الطبري: ج٣ ص٢٥٣.
٤ عاشور، سعيد عبد الفتاح: بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته ص١٠٦.
٥ الغمر: ماء من مياه بني أسد، الحموي: ج٤ ص٢١٢.

<<  <   >  >>