للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقام طليحة في منازل بني أسد ببزاخة، وعسكر جيشه في سميراء، وانضمت إليه فلول عبس، وذبيان الذين هزمهم أبو بكر، كما انحازت إليه قبائل غطفان وسليم ومن جاورهم من أهل البادية في شرق المدينة، وفي شمالها الشرقي، وحاول استقطاب طيء للانضمام إليه، عن طريق الحلف الذي كان بينهم، وبين بني أسد، في الجاهلية، فتعجل أقوام من جديلة والغوث، وهما من طيء بالانضمام إليه، وأوصوا من تأخر باللحاق بهم١، وفعلًا، وحدتهم العصبية القبلية، وتقبلوا رأي عيينة بن حصن "نبي من الحليفين أحب إلينا من نبي من قريش، وقد مات محمد، وطليحة حي"٢، ولم تخالجهم أدنى ريبة في تعرضهم لهجمات المسلمين إن هم أصروا على خروجهم على سلطان المدينة، ومتابعة طليحة، وامتنعوا عن دفع الزكاة٣.

واشتد ساعد طليحة بما انضم إليه حتى ظن أنه لن يغلب، ونقل معسكره من سميراء إلى بزاخة، الأكثر مناعة، استعدادًا لمواجهة محتملة مع المسلمين.

وأمر أبو بكر خالدًا أن يبدأ بطيء قبل أن يتوجه إلى البزاخة، وحتى يموه على الحملة تصرف على محورين:

الأول: أذاع أنه خارج بنفسه على رأس الجيش إلى خيبر٤ حتى ينضم إلى قوات خالد، ثم ينطلق لمحاربة المرتدين، فابتعد بذلك عن طريق البزاخة، فاطمأنت طيء، وتقاعست عن الخروج لمساعدة طليحة، ففصل بذلك بين الحليفين، ليضرب كلًا على حدة.

الثاني: حاول أن يستقطب طينًا عن طريق عدي بن حاتم الطائي، وهو أحد الأشخاص الذين ثبتوا على إسلامهم، فكلفه بمهمة إخراج قومه من التحالف مع طليحة، والعودة بهم إلى طاعة المدينة، ونجح عدي في مهمته، لكن كان على طيء أن تسحب قواتها الموجودة في معسكر طليحة خشية أن يقتلهم أو يرتهنهم، فطلبوا من عدي أن يكف خالدًا عنهم حتى يستخرجوهم٥.

استحسن خالد هذا العرض، وأمهلهم ثلاثة أيام، مدركًا في الوقت نفسه أن من شأن ذلك أن يكسبه قوة إضافية، ويضعف من قوة خصمة، وطلب القوم من إخوانهم


١ الطبري: ج٣ ص٢٥٣.
٢ المصدر نفسه: ص٢٥٧.
٣ المصدر نفسه: ٢٥٨.
٤ خيبر: ناصية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، وهي ولاية تشتمل على سبعة حصون، ومزارع ونخل كثير، الحموي: ج٢ ص٤٠٩- ٤١١.
٥ الطبري: ج٣ ص٢٥٣.

<<  <   >  >>