للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يصيبهم إذا استمروا على إسلامهم، فإذا رأوا أنفسهم بين قوتين مالت نفوسهم إلى إسلامها، أو أمسكوا على الأقل، عن الانضواء تحت راية زعماء الردة، وبذلك تحقن دماء، ويتراجع اندفاع كثير من المرتدين، ويتوقفوا عن القتال، ولا شك بأن هذه السياسة الحكيمة التي انتهجها قد حققت أهدافها الموضوعة، فعاد قسم كبير من المرتدين عن ردتهم، في حين استمر آخرون عليها، فتعرضوا للقتل بالسيف، والحرق بالنار، وسبي الذراري والنساء.

- لم يقصد أبو بكر المداورة من خلال منح القبائل فرصة للتفكير، حتى إذ لم يفلح التمس وسيلة غيرها، بل كان جادًا في كل كلمة من كلمات كتابه، وفي كل صورة من صور التهديد التي ذكرها فيه.

وأوصى أبو بكر قادة الألوية١ تنفيذ المهام الموكولة إليهم ضمن إطار الخطة التي وضعها، وزودهم بتفاصيلها، ويتفق مضمونها مع وصايا دأب النبي على تزويد أمراء جنده بها عند خروجهم للجهاد، وتضم طرفًا من آداب الإسلام في الجهاد، كما أمرهم بالتنسيق معه إيمانًا منه بأن وحدة القيادة في الحرب هي السبب الأكثر أهمية في تحقيق النصر.

خرجت الألوية الإسلامية، في ضوء هذه التوجهات، في اتجاهات متعددة، ومعها أوامر مشددة بقمع ثورات القبائل دون تمييز بين دافع وآخر، والقضاء على الأخطار التي واجهت الإسلام، ودولته الناشئة.

قتال طليحة الأسدي -معركة البزاخة:

برز خالد بن الوليد في حروب الردة كقائد محترف، ومقاتل شجاع، مارس عمليًا مهام القائد العام، واستطاع بفضل الخطط العسكرية المبتكرة، والمداهمات الصاعقة التي نفذها ضد المرتدين؛ أن يحقق النجاح المطلوب في مهمته الصعبة، ففي أقل من عام، كانت لديه القدرة لقمع حركة الردة، وتصفية جيوب التمرد في كافة أنحاء الجزيرة العربية.

كانت مواجهته الأولى ضد طليحة الأسدي، وخصصه أبو بكر بأربعة آلاف مقاتل، أقلهم من المهاجرين، وأكثرهم من القبائل القريبة من المدينة، وبعض بني كنانة، وكان فيهم من الأنصار ما بين أربعمائة إلى خمسمائة مقاتل بقيادة ثابت بن قيس، وحمل أبو لبابة رايتهم٢.


١ انظر نص الوصية في الطبري: ج٣ ص٢٥١، ٢٥٢.
٢ المصدر نفسه: ص٢٥٤.

<<  <   >  >>