للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشهدت فئة منهم بأنهم أذنوا، وأقاموا وصلوا وأقروا بالزكاة، كان من بينهم أبو قتادة الأنصاري، في حين شهدت فئة أخرى بأنهم استمورا على ردتهم، فلما وقع الاختلاف، أمر خالد بسجنهم حتى الصباح ليحكم في الأمر، وكانت ليلة باردة، تزداد بردًا كلما مضى شطر من الليل، فأخذت خالد الشفقة عليهم، فأمر مناديًا "أدفئوا أسراكم"، وكان معنى العبارة في لغة كنانة القتل، ولما كان الحرس من هؤلاء قتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكًا، وسمع خالد الضجة، فخرج وقد فرغوا منهم، فقال: "إذا أراد الله أمرًا أصابه"١.

هذه هي صياغة المشهد التي يبدو عليها علائم الاختلاف، وذلك أن المرء لا يستطيع في مخيم عسكري أن يدبر مجزرة لا يلاحظها القائد إلا بعد انتهائها، ولكن هذا هو هدف القصة، فهل تعمد خالد إصدار الأمر الذي يساء فهمه، ثم راح ينتظر حتى تحققت النتيجة المرجوة، وهي قتل مالك بن نويرة، والتزوج بامرأته أم تميم ابنة المنهال؟ كيف صح من قائد المسلمين أن يخاطب الحراس بلغة يعلم أنها ليست لغتهم، فيما يقصد إليه من معنى وهدف؟ وإن كان لا يعلم فلماذا لم يعتذر بهذا العذر عند الخليفة عندما عاتبه؟

الواضع أن هذه القصة لا تذكر سببًا معقولًا، ومقبولًا لقتل مالك بن نويرة، على الرغم من أنها تستشهد بأقوال فئة من أفراد السرية بأنه عاد من ردته، ونصح قومه بالاقتداء به.

وإذا تأملنا في صيغة الأمر من الوجهة اللغوية، كان معناها الأساسي الدفء، أما المعنى الجانبي الذي هو القتل، فلا تسجله معاجم اللغة إلا على الهامش، وبناء على هذا نجد الصياغة في لسان العرب، دفف على الجريح أجهز عليه، وكذلك دافه مدافة، ودفافًا ودافاه وهي لغة لجهينة، معناها القتل٢.

وتجري رواية استجواب خالد لمالك بن نويرة للوقوف على أي الشهادتين حق، الشهادة بإسلامه، أم الشهادة بإصراره على الرده ومنع الزكاة، فعندما جاءت به السرية حاوره خالد في موقفه من الإسلام، فقال مالك: "أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة؟ فقال خالد: لو كنت مسلمًا لما منعت الزكاة، ولا أمرت قومك بمنعها، والله ما نلت ما في مثابتك حتى أقتلك"٣، وفي رواية أنه قال: "أنا آتي الصلاة دون الزكاة.


١ الطبري: ج٣ ص٢٧٨.
٢ ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد: لسان العرب ج٩ ص١٠٤- ١٠٦.
٣ ابن أعثم: الفتوح ج١ ص٢٦.

<<  <   >  >>