للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال له خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معًا، لا تقبل واحدة دون الأخرى؟ فقال مالك: قد كان صاحبكم يقول ذلك، قال خالد: أوما تراه لك صاحبًا؟ والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تجادلا في الكلام، فقال خالد: إني قاتلك، فقال له: أو بذلك أمرك صاحبك؟ قال خالد: هذه بعد تلك، وكان عبد الله بن عمر، وأبو قتادة الأنصاري حاضرين، فكلما خالدًا في أمره، فكره كلامهما، فقال مالك: يا خالد إبعثنا إلى أبي بكر، فيكون هو الذي يحكم فينا، فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتك، وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه"١.

قد تكون هذه الرواية أقرب إلى القبول؛ لأنها تذكر سبب ردة مالك بن نويرة، ومن اتبعه من قومه، وهي امتناعه عن دفع الزكاة لأبي بكر، كما أن كلامه بحق النبي لا يصدر عن شخص مخلص في إسلامه، ألا يرى مالك أن النبي سد له وصاحب؟ ومع ذلك فقد تضمن الاستجواب إشارتين إلى إسلام مالك، وهما القول بأنه على استعداد لإقامة الصلاة، وقوله لخالد: "أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة" غير أنه رفض دفع الزكاة، وهنا يوصف بأنه مرتد معاند، وأن تصريحاته الاستفزازية لم تدع مجالًا لخاير آخر سوى القتل، ومن هنا أيضًا استقى خالد حجته عليه بعد أن كشف نواياه التي لا تخرج من قلب سليم الإيمان، ومع ذلك فإن خالدًا لم يتسرع في إصدار الحكم عليه، وجادله عليه يتمكن من إقناعه بالعودة عن ردته، إلا أنه أصر على موقفه، فلم يبق في نفس خالد بعد ذلك موضع للشك في ردته، فعقد العزم على قتله، ورفض أن يرسله إلى أبي بكر كما أرسل غيره، أمثال قرة بن هبيرة والفجاءة السلمي وغيرهما، ولم يكن مالك بأقل قدرا منهم، إلا أنه كان أعظم إثمًا٢، وأستبعد أن يكون أصدقاء خالد اختلقوا حديثًا متقن الحبكة يضع عنه الوزر؛ لأن مالكًا إذا كان مطلعًا على الإسلام هذا الاطلاع الحسن، والذي يمكنه من مناقشة خالد في دقائقه، فمعنى ذلك أنه كان مسلمًا٣، والراجح أنه لم يكن مسملًا وقت قتله على

الأقل.

وتصب شهادة أبي قتادة الأنصاري في مصلحة مالك، إذ أنكر على خالد فعله، فظن ما حدث حيلة من حيله، فذهب إليه، وقال: "هذا عملك، فزبره خالد، فغضب، ومضى حتى أتى أبا بكر"، فأثار القضية أمامه٤، والراجح أن إقحام اسم أبي قتادة هو


١ ابن خلكان، أبو العباس أحمد: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ج٦ ص١٣، ١٤.
٢ عرجون، إبراهيم صادق: خالد بن الوليد ص١٦٩، ١٧٠.
٣ كلير: ص١٧٨.
٤ الطبري: ج٣ ص٢٧٨.

<<  <   >  >>