للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من نوع التمويه والتضليل، وأن يكون هذا الرجل بخاصة هو الذي يدلي بالشهادة ضد خالد، فأمر يستحق النظر؛ لأنه هو نفسه كان قد عارض خالدًا في أمر بني جذيمة، وانتقده انتقادًا كبيرًا١، أو كان للحادث في نفسه صورة أخرى، فهم منها أبو بكر ما أملى عليه قوله في رده على عمر "تأول فأخطأ". يضاف إلى ذلك، فقد شاهد عشرات من الصحابة ما شاهد أبو قتادة، ولم يتصرفوا مثله، أما عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي حضر الجلسة، فعلى الرغم من أنه خالف خالدًا، وعبر عن رأيه في هذه القضية إلا أنه لم يخرج على قائده، وهذا من فقه ابن عمر؛ لأنه علم أن خالدًا، ومن معه من الصحابة الذين وافقوه على قتل مالك لا يصدرون أحكامهم عن هوى، وأنهم إن أخطأوا فقد تأولوا٢.

تتحدث بعض روايات التاريخ الإسلامي عن اختلاف في وجهات النظر بين أبي بكر، وعمر في هذه القضية، فتجري إحداها أنه لما بلغ خبر مقتل مالك، وأصحابه عمرًا، قال: "إن في سيف خالد رهقًا٣، فإن لم يكن هذا حقًا، حق عليه أن تقيده، وأكثر عليه في ذلك"، فأجابه أبو بكر: "هيه يا عمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد"، وأضاف: "لم أكن لأشيم سيفًا سله الله على الكافرين"، وودى مالكًا وكتب إلى خالد أن يقدم عليه، ففعل٤.

وثمة مشهد حدث في المسجد يلخص حكاية جرت في المدينة حيث يظهر خالد عند أبي بكر قادمًا من أرض بني تميم، فيدخل المدينة مصحوبًا بكل علائم الحرب، ويلتقي عمر في مسجد النبي، فيذله ويرميه بتهمه يلقي بها في وجهه: "قتلت امرأ مسلمًا ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك"، فلم يكلمه خالد، ومضى في اضطراب بالغ إلى أبي بكر، وهو يظن أن رأيه مثل رأي عمر. وجرى حوار بين الرجلين اعتذر في نهايته خالد أمام أبي بكر، فعذره وتجاوز عنه، لكنه عنفه في التزويج الذي كانت العرب تجمع على كراهته أيام الحرب، وأمره أن يفارق امرأة مالك، فخرج خالد وعمر جالس في المسجد، فقال: هلم إلي يا ابن أم شملة، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه، ودخل بيته"٥.

الواضح أن هذه الرواية قد استغلت من واقع توجيهها دون مراعاة لحرمة


١ الواقدي: مغازي ص٨٧٧، تحقيق مارسدن جونز لندن ١٩٦٦.
٢ عرجون: ص١٦٩، ١٧٠.
٣ الرهق: النزوع إلى العنف.
٤ الطبري: ج٣ ص٢٧٨، ٢٧٩.
٥ المصدر نفسه: ص٢٨٠.

<<  <   >  >>