للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحاب رسول الله: فتصور خالدًا في صورة تجافيها المروءة، وينكرها الدين، وتشمئز منها الرجولة، ولا يرضى عنها عامة الناس، وتحشر رجلًا هو ثالث ثلاثة، فنجعل منه محورًا تدور عليه فصولها، وذلك هو عمر بن الخطاب، وهي تحمل في طياتها عوامل الشك فيها، منها:

- أنها تصور خلافًا حادًا في الرأي بين أبي بكر، وعمر في تقييم ما صنع خالد، وهو خلاف غريب في حادث يمس حدًا من حدود الله، وإذا لم يكن الاتفاق ضروريًا بين المجتهدين، فليس هذا الحادث من مواضع اختلاف المجتهدين؛ لأنه اختلاف في تكييف الحادث لا في فهم النص، وتطبيقه،١ بالإضافة إلى ماهية السياسة التي يجب أن تتبع في هذا الموقف الدقيق من حياة المسلمين تجاه المرتدين، وقيام الثورة في أنحاء الجزيرة العربية٢.

- لا يمكن الوصول إلى دلالة "ابن أم شملة"، التي هتف بها خالد في وجه عمر أثناء خروجه من عند أبي بكر، لكن مما لا شك فيه أن خالدًا لم يكن يكنى بذلك عن والدة عمر، ولكن مجرد المخاطبة بلقب ابن امرأة ينطوي وحده على إهانة بالغة، وهذا بعيد عن سلوك الصحابة.

- لم تذكر هذه الرواية لأحد من أصحاب رسول الله رأيًا في هذه القضية سوى أبي بكر وعمر، ولا سيما أنها تتعلق بتصرف أكبر قادة المسلمين الذي إذا صح ما نسب إلى عمر في إتهامه لخالد، لكان جزاء هذا القائد في الشريعة الإسلامية القتل، ولا يحق للخليفة تعطيل أحكام الدين، أما بقاء المتهم في مقامه في صدارة الدولة، فهذا يتناقض مع ما عرف عن الصحابة من شدة البحث عن الحقيقة٣، فهل اقتدى أبو بكر بالنبي عندما لم يضع نهاية لتقدير خالد عن تصرفه مع بني جذيمة، ولم يقم الحد عليه، والمعروف أن الحادثين متشابهتان في حيثياتهما من حيث الالتباس في إسلام القوم من وجهة نظر فئة من المسلمين، والتأكيد على عدم إسلامهم في نظر خالد على الأقل، وهو أمير السرية آنذاك وإليه يعود تقدير الأمور٤.

- عندما تولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد أبي بكر، وكان رجلًا قوامًا على حدود الله، جريئًا في الحق، وكان خالدًا يومئذ أميرًا على عامة جيوش المسلمين في


١ عرجون: ص١٦٤.
٢ هيكل: ص١٦١، ١٦٢.
٣ عرجون: ص١٦٣، ١٦٤.
٤ انظر: الطبري: ج٣ ص٦٦- ٦٩، وقارن بالبلاذري: أنساب الأشراف ج١ ص٤٨٩، ٤٩٠.

<<  <   >  >>