للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلاد الشام، فلم يرجمه بأحجاره كما توعده، ولم يقتله قصاصًا بمالك وأصحابه، أما عزله عن الإمارة، فلم تكن قضية مالك بن نويرة سببًا من أسبابها على وجه اليقين١.

وتتباين المصادر أيضا في وضع أرملة مالك بن نويرة، ويمكن أن نطرح عدة أسئلة تتعلق به مثل: هل تزوج خالد أم تميم امرأة مالك أم اتخذها محظية فحسب؟ وهل عاشرها فورًا، أم بعد انتهاء عدتها، وكيف تطورت العلاقة بينهما بعد ذلك؟ يروي الطبري: "وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال، وتركها لينقضي طهرها، وكانت العرب تكره النساء في الحرب، وتعايره"٢، وثمة رواية أخرى: "وقبض خالد امرأته "امرأة مالك فقيل: اشتراها من الفيء

وتزوج بها، وقيل: إنها اعتدت بثلاث حيض ثم خطبها إلى نفسه، فأجابته"، فطلب من ابن عمر، وأبي قتادة أن يحضرا النكاح فأبيا٣، وتجري رواية ثالثة على لسان عمر أثناء قدوم خالد للاجتماع بأبي بكر: "قتلت امرأ مسلمًا، ثم نزوت على امرأته"، وكأنه يتهمه بالزنى، ومع هذه النظرة العامة، فإن المسألة لم تحسم بعد، لكن معظم المصادر تتحدث عن زواج، على أن الوضع الشرعي يوصف بمسألة ما إذا كان يجوز له أسر زوجة مسلم، أما الزواج من أرملة، فلم يكن يحول دونه شيء إذا تم الالتزام بمدة العدة الشرعية إلا أن تكون غير مسلمة، أما معاشرة الأسيرة "الأمة"، فلم يكن يوجد تقييد لها، وكان الاستحواذ على نساء المغلوبين من قبل المنتصر ما يزال أمرًا مألوفًا، وعلى هذا لا يتوافر

التصرف الجرمي إلا إذا كان مالك، وأم تميم مسلمين، وعند ذلك فإن عملية الزواج تكون متفرعة من أصل عملية القتل، فإن كان قتل مالك حلالًا، فلا شيء على خالد، وإن كان قتله حرامًا، فجرم القتل أعظم من جرم الزواج، وجرم قتل الجماعة أخطر من جرم قتل الفرد الواحد, ومن المستبعد أن يضع خالد نفسه في موقف دقيق من الوجهة الشرعية، والراجح أن تكون الروايات عن زواج مع الإشارات المؤيدة لها إلى انتظار مدة الطهر، إنما تم إيرادها لتدعيم وضع مالك من حيث كونه مسلمًا٤.

والخلاصة أن سلسلة من الحقائق يمكن وضعها في مواضعها المحكمة من العملية التاريخية، إذ تواجه المرء أكثر من رواية لا تنسجم بالضررة مع الصورة العامة للردة، فإذا كان خالد قد اقترف ظلمًا عندما قتل مالكًا بن نويرة، فماذا يبقى إذن بعد ردة بني تميم؟ أتراهم بالفعل كانوا مسلمين جميعًا؟ وهل كان من الممكن


١ عرجون: ص١٦٤، ١٦٥.
٢ تاريخ الرسل والمملوك: ص٦٦- ٦٩.
٣ المصدر نفسه: ص٢٧٨، وابن خلكان: ج٦ ص١٤.
٤ كلير: ص١٨١.

<<  <   >  >>