للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوضاعه، وقد تضافرت عدة عوامل، أججت الوضع الداخلي لعل أهمها عاملان:

الأول: تنافس الزعامات القبلية، وتسابقها لاستعادة نفوذها السابق، متأثرة بانتشار الردة في مختلف أرجاء الجزيرة العربية.

الثاني: عامل العصبية

لقد أجرى أبو بكر تعديلات في السلطة في اليمن، فعين فيروزًا على صنعاء، وداذويه، وجشيشًا مساعدين له، وقيس بن هبيرة على الجند، كان الثلاثة الأوائل من الفرس في حين كان قيس عربيًا من حمير، وراودته أحلام السيطرة على كامل مخاليف اليمن، لذلك غضب من تدابير أبي بكر.

والواقع أن قيسًا خشي من تصاعد نفوذ الأبناء، الذي يهدد النفوذ العربي في اليمن، فحاول استقطاب عرب اليمن جميعًا للقضاء عليهم، وبخاصة ذي القلاع الحميري١، ولعله أدرك قيمة حمير في أحداث اليمن، غير أن "ذا القلاع" لم يستجب له كما لم ينصر الأبناء، واكتفى بالرد عليه "لسنا مما ها هنا في شيء، أنت صاحبهم، وهم أصحابك"٢.

ويبدو أن موقف الحميريين من هذا النزاع حتمه واقع الظروف الدينية، ذلك أن الأبناء كانوا مسلمين، ويتمتعون بحماية المدينة، وكل نزاع معهم قد تكون نتائجه سلبية على الوضع العام في اليمن، وبخاصة بعد ارتداد جماعات من اليمنيين، بحيث أضحى هذا البلد معرضًا لهجمات المسلمين من الشمال مما لا سبيل لليمنيين إلى مواجهته.

حاول قيس، بعد فشله في استقطاب الحميريين، إقناع أتباع الأسود العنسي، فطلب منهم أن ينضموا إليه بفعل الأهداف المشتركة، وهي العداء للأبناء وطردهم من اليمن، فاستجابوا له، وهاجمت قوى التحالف صنعاء ودخلتها، وقتلت داذويه، وتربع قيس على دست الحكم، وفر فيروز وجشيش إلى جبل خولان، ملتجئين عند أخوال الأول، وانضمت إليهما جماعات من حمير في ظل استمرار إحجام الزعماء٣.

وأقدم قيس على إجلاء أسر الأبناء عن اليمن، وحاز رضى أهل اليمن من مختلف القبائل، مما أثار فيروز، فاستقطب القبائل التي استمرت على إسلامها، وشكل منهم قوة عسكرية، واصطدم بقيس وأجلاه عن صنعاء، وعاد أميرًا عليها، ووافقه الخليفة على ذلك، وأمده بقوة عسكرية مساندة بقيادة طاهر بن أبي هالة٤.


١ الطبري: ج٣ ص٣٢٣.
٢ المصدر نفسه.
٣ المصدر نفسه: ص٣٢٤، ٣٢٥.
٤ المصدر نفسه: ص٣٢٥، ٣٢٦.

<<  <   >  >>