للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والواقع أن عودة فيروز إلى الحكم، لم تحقق الأمن والسلم في ربوع اليمن، إذ استمر الثائرون على ردتهم، ويبدو أن الخصومة القديمة بين الحجاز، واليمن كانت حائلًا دون التوصل إلى تفاهم، وقاد عمرو بن معدي كرب جموع اليمنيين في حركة معادية للوجود الإسلامي، وسانده قيس، وحافظ أهل نجران على عهودهم مع المسلمين، فلم ينضووا تحت لوائه١.

واجه أبو بكر هذه الثورة بحزم، فأرسل جيشين إلى اليمن أحدهما بقيادة عكرمة بن أبي جهل، والآخر بقيادة المهاجر بن أبي أمية لإخضاع اليمنيين، ويبدو أن الثائرين هالهم زحف المسلمين باتجاه بلادهم، وشعروا بعجزهم عن التصدي لهم، وبخاصة بعد أن دب الخلاف بين عمرو وقيس، وقبض الثاني على الأول وسلمه إلى المهاجر، فقبض هذا الأخير على الاثنين، وأرسلهما إلى أبي بكر الذي عفا عنهما٢، ودخل المهاجر صنعاء وتعقب فلول المتمردين، وعسكر عكرمة في الجنوب بعد أن استبرأ النخع وحمير، فانتهت بذلك الردة في اليمن، وعاد هذا البلد إلى حظيرة الإسلام٣.

القضاء على الردة في كندة وحضرموت:

كان النبي قد أمر بأن توزع بعض صدقات كندة في حضرموت، وبعض صدقات حضرموت في كندة، ويبدو أنه حدث خلاف بين سكان البلدين بشأن هذا التوزيع، والتبادل في الصدقات، وتوفي النبي في هذا الأثناء مما دفع سكان البلدين إلى الارتداد، واستجابت كندة لدعوة الأسود العنسي٤.

كان زياد بن لبيد البياضي الأنصاري عامل النبي على حضرموت، والمهاجر بن أبي أمية عامله على كندة، لكنه لم يتسلم منصبه حتى توفي النبي، وأناب عنه زيادًا بن لبيد، ويبدو أن هذا الوالي اشتد في جباية الصدقات، مما أثار الناس، وشكل دافعًا آخر للجنوح نحو الارتداد، ولما حاول قمع الثورة بالقوة، تعرض للهزيمة على يد الأشعث بن قيس الكندي، وتوسعت الثورة، فشملت كندة وحضرموت٥.

خشي الوالي من استفحال الأمر، فاستنجد بالمهاجر في صنعاء فأنجده، كما أنجده عكرمة، وانضمت قواته إلى قوات المهاجر، وهاجمتا الأشعث بمحجر الزرقان وتغلبتا عليه، وفر الأشعث من ساحة المعركة، والتجأ إلى حصن النجير،


١ الطبري: ج٣ ص٣٢٦، ٣٢٧.
٢ المصدر نفسه: ص٣٢٧-٣٣٠.
٣ المصدر نفسه.
٤ المصدر نفسه: ص٣٣١.
٥ المصدر نفسه: ص٣٣١، ٣٣٢.

<<  <   >  >>