للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عل مراحل متعددة، وقد فرضه انقسام داخلي إلى درجة الإعياء تعجيز هذا الطرف أو ذاك عن القيام بالحرب، أو حين كان الحرص على السلام يدفع بأحد الطرفين أن يذهب في التساهل إلى أي مدى يقتضيه تحقيق السلام.

لقد ورث الساسانيون العداوة القديمة بين فارس، واليونان مع اختلاف الخصم بعد أن حل الرومان في ربوع الشرق الأدنى، وكان التنازع على مناطق الأطراف، وأهمية أرمينية لكلا الطرفين، بالإضافة إلى السيطرة على طرق القوافل التجارية بين الشرق، والغرب من أهم أسباب النزاع.

والواقع أن الإقليم الجبلي الذي يمتد بين أقاصي شرق البحر الأسود، والمجرى الأوسط لنهر دجلة، لا يشكل حدًا طبيعيًا فاصلًا بين الإمبراطوريتين، ولو أن أرمينية كانت قوية لدرجة تكفي للحفاظ على استقلالها من اعتداء الدولتين لاستطاعت أن تشكل حاجزًا بينهما.

لقد توالى على حكم أرمينية ملوك يمتون بصلة النسب البعيد إلى الأشكانيين، والنفوذ الروماني فيها متفوق على النفوذ الفارسي، لكن أردشير الأول لم يحقق نصرًا حاسمًا في حروبه مع الرومان.

تجدد الصراع بين الدولتين في عهد خلفائه، فقد اصطدم سابور الأول "٢٤١- ٢٧٢م" بالرومان مرتين، وأسر الإمبراطور الروماني فالريان١، إلا أنه تعرض لهزيمة قاسية على يد أذينة، الحاكم العربي لمملكة تدمر في الصحراء السورية، وحليف الرومان، واستعاد الحاكم العربي الأراضي التي كان الفرس قد استولوا عليها في إقليم الجزيرة، وطارد القوات الفارسية إلى ما وراء نهر الفرات، ووصل إلى أسوار المدائن٢.

استؤنفت الحرب بين الدولتين في عهد بهرام الثاني "٢٧٦- ٢٩٣م"، فتقدمت القوات الرومانية بقيادة الإمبراطور كاروس باتجاه المدائن، لكن الجيش الروماني تراجع فجأة إثر وفاة الإمبراطور، ثم عقد الصلح بين الدولتين في عام ٢٨٣م، وكان من أهم بنوده، إعادة أرمينية، وإقليم الجزيرة إلى الحكم الروماني، يبدو أن ثورة هرمزد أخي بهرام الثاني، في خراسان، أجبرته على القبول بهذا التنازل٣.


١ خلدت هذه الأحداث في صورة يظهر فيها سابور الأول فارسًا، والإمبراطور جات أمامه، وهي النقوش التي تعرف في إيران اليوم باسم نقش رستم.
٢ الفردوسي: ج٢ ص٥٧، علي، جواد: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج٣ ص٩٧.
٣ كريستنسن: ص٢١٧، ٢١٨.

<<  <   >  >>