تعتمد على الفعل, وهذه نقلة هامَّة في نمو العقل. "جابر عبد الحميد: ١٩٧٧، ٩٣".
ويرى برونر أن هذه المرحلة الثانية تمثّل تقدمًا في النمط التمثيلي للطفل؛ إذ إنه في خلال هذه الفترة يبدأ الطفل في تصنيف الأشياء على أساس سمات معينة ثابتة, وهذه القدرة التي تعتبر ذات أهمية بالغة للفهم الصحيح للعالم تكتسب تدريجيًّا, وربما تضمَّنت سلسلة من المراحل الفرعية النوعية قبل تحقيق النضج.
ج- المرحلة الرمزية The symbolic stage:
يرى برونر أن المرحلة الرمزية هي أعلى مستويات التمثيل التي يقدر عليها الإنسان, ففي هذه المرحلة يستطيع الأطفال أن يترجموا الخبرة إلى لغة، ويمكن فهم دعامة التوازن باستخدام الكلمات بدلًا من استخدام الصور "إن العرض الرمزي يتيح للأطفال أن يستنبطوا منطقيًّا، وأن يفكروا تفكيرًا محكمًا، وأن يشكِّلوا خبراتهم عن العالم الذي يعيشون فيه بصورة قوية وفعالة, واستخدام ذلك للبحث عن حلّ المشكلات التي يتصدَّون لها.
ويتشهد برونر ببحوث النمو التي تبيِّن أنَّ الأطفال قادرون على فهم العمليات العيانية أولًا، ثم بعد ذلك على فهم التعبير البياني المصوّر، وفي النهاية يصبحون قادرين على فهم العمليات غير المألوفة بيسرٍ إذا عرضت عليهم بالترتيب التالي: بطريقة عيانية، ثم بيانية، ثم رمزية، وهذه الطريقة تناسبهم بدرجة أكبر إذا كان الموقف ملقًا. "جابر عبد الحميد ١٩٧٧، ٩٤".
ويستطيع القارئ أن يعتبر أن التفرقة النوعية بين مستوى المرحلة الرمزية ومستوى المرحلتين السابقتين هي البعد بين الرمز وبين إشارة وصفية, أو صورة تمثل شيئًا أو حدثًا, وتتضمَّن المرحلة الرمزية عدة ثغرات في اللغة سنناقشها في الفصل الرابع من هذا الباب, ويكفي أن نذكر هنا أنَّ برونر يعتقد أن اللغة نظام رمزي يعمل مستقلًّا عن الأنظمة السابقة، ومع ذلك تعتمد على الأحداث التي جرت في أثناء المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية، ويجب أن نلاحظ أن المرحلة الرمزية كما اقترحها برونر، وخاصة تأكيده على اللغة كنظام رمزي، تعتبر نقطة اختلاف بينه وبين بياجيه. ومع أنَّ كلا العالمين يعتبران أن النمو يتحرك من انعكاسات بسيطة وأفعال مشاركة إلى تمثيلات رمزية للعالم مطَّردة التزايد، فإن بياجيه يعتبر التمثيلات الرمزية ضرورة تسبق اللغة ونموها, وأن التفكير واللغة يرتبط كلٌّ منهما بالآخر ارتباطًا وثيقًا, وبعبارة أخرى: يعتبر بياجيه أن اللغة تصبح وسيلة للتعبير عن المعرفة والتجريدات، في حين أن برونر يعتبر أن اللغة تجريد؛ إذ يرى أن التفكير لغة مستنبطة، وأنَّ القواعد البنائية للغة وليس المنطق يمكن استخدامها لتفسير مبدأ البغاء أو الثبات, وغيرها من مبادئ بياجيه.
وواضح أن برونر يعتقد أن الطريقة التي يفكر بها الشخص تتأثَّر بالخبرات الحكمية والتصويرية المبكرة التي قد تكون انتقالًا ثقافيًّا. ومهما يكون من أمر, فإن أهم العوامل حسمًا من حيث الطريقة التي يفكّر بها الشخص هي اللغة. إنه من الواضح أن اللغة دالة ثقافية, وبالعكس, فإن بياجيه يشدّد على تكافؤ كل اللغات كوسائل تبادلية لتوصيل المعرفة التي تكوَّنت منذ زمنٍ سابق على التفاعل اللفظي للطفل مع العالم, ويتفق هذا الموقف مع إصرار بياجيه على تفاعل اللغات والثقافات في مجال النمو المعرفي.