٣- التمركز حول الذات Egocentricity:
من سلوكيات مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية التي لاقت اهتمامًا كبيرًا سلوك الطبيعة الأنانية, أو التمركز حول الذات لتصورات الأطفال للعالم. وبالتحديد فإن الأطفال في مرحلة النمو هذه لا يستطيعون النظر من وجهة نظر الآخرين, وهذا المظهر من الإجراءات العقلية للطفل يشبه تحويل الطفل لمكعب إلى دبابة أو طائرة، ثم لا يفهم لماذا لا يفهم أحد سلوكه وتلفظاته.
ويمكن تقديم أمثلة أخرى على التمركز حول الذات في تفكر الأطفال, ويصف بياجيه "١٩٥٥" طرح الأطفال للأسئلة في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية بأنه يعكس التمركز حول الذات بصورة أساسية. وعلى ذلك, فعندما يسأل الأطفال في هذه السن: "لماذا تمطر السماء؟ " فإن الأكثر احتمالًا أنهم يسألون: "لماذا هي تمطر, بينما أنا أريد أن أخرج لألعب؟ " أكثر من السؤال عن السبب المادي للمطر. والأسئلة المميزة التي يطرحها الأطفال في هذه السن تبدأ بحرف الاستفهام "لماذا؟ " وهي غالبًا طلبات إيضاح لأحداث طبيعية مثل: الرياح والمطر "myers & shane" ١٩٧٣"، ومعظم مثل هذه الأسئلة عندما يطرحها الأطفال تبرز استجابات غير منطقية تفرض مثلًا أن الرياح والمطر أشياء حية. إن إسناد الحياة لأشياء غير حية، ويسمَّى بالإحيائية animism، هو من الأسئلة والأجوبة للطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية. "من أين تأتي الرياح؟ "، "هل السحب حية؟ " "أين تذهب الرياح عندما يهدأ الجد؟ " أمثلة لنوع التفكير الذي تتضمَّنه هذه المرحلة, ويقدّم بياجيه أربعة مراحل للإحيائية:
١- الأطفال بين الرابعة والسادسة يفكرون "يظنون" أن كل شيء حي.
٢- الأطفال بين السادسة والسابعة يعتبرون أن الأشياء التي تتحرك حية.
٣- الأطفال بين الثامنة والعاشرة يعتبرون أن كل شيء يتحرّك من تلقاء نفسه حي.
٤- الأطفال في الحادية عشرة وما بعدها يسندون الحياة للحيوانات والنباتات فقط.
والسلوك الإدراكي للطفل في مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية يبدو عادةً بمظهر الحذق الناضج, غير أن الأطفال عندما يسألون بحذر أو تعرض عليهم سائل تولد صراعًا بين الاستجابات التصورية والإدراكية, فإن مستوى استجاباتهم غير الناضج يصبح واضحًا, ومثل هذا الصراع هو المسئول عن المزيد من النمو المعرفي.
وحديثًا، أثارت بورك Borke "١٩٧٣" مسألة ما إذا كان الأطفال في هذه المرحلة من العمر لا يستطيعون فعلًا فهم مشاعر الآخرين, وتدل معطياتها على أنَّ الأطفال في سن الرابعة يستطيعون تمييز الاستجابات السعيدة في الأطفال الآخرين, وفيما بين الرابعة والسابعة يصبحون أكثر كفاءة في تمييز الخوف والحزن والغضب, وهناك بعض الاختلاف في الرأي حول النتائج التي توصّل إليها بورك bork, فنجد أن شالندر وجرينسبان chandler & greenspan مثلًا "١٩٧٢" يريان أن المعطيات بدلًا من أن تدل على قدرة تأكيدية، تدل على أنَّ الإجراءات النفسية التي تضمنتها أكثر شبهًا بالتعيين identification؛ حيث يعزو الفرد مشاعره بشكل دقيق إلى استجابة شخص آخر. وإذا كان شاندلر وجرينسبان مصيبان فإن تفسيرهما يكون أكثر انطباقًا على التمركُز حول الذات التي وجدها بياجيه, ويظل هذا الموضوع مفتقرًا إلى الوضوح, ويتطلَّب إمعانًا أكثر تحديدًا.
لقد طرقنا ثلاث مظاهر فقط من الإجراءات العقلية في الفترة المبكرة من مرحلة ما قبل العمليات الإجرائية.