قبل أن ننظر إلى المعطيات العلمية الخاصة بالوارثة لمختلف أنماط السلوك الإنساني، سنقوم أولًا باستكشاف بعض المفاهيم الأساسية لأدوار الوراثة والبيئة المتعلقة بها. إن هذه المفاهيم غاية في البساطة، وإن كانت عادة تلقى إهمالًا أو سوء فهم.. فهناك مثلًا موقفًا متطرفًا يقول بأن كل الأطفال حديثي الولادة لديهم أصلًا نفس الإمكانيات التكوينية "اللوح الأملس أو الصفحة البيضاء tabula rasa" وعلى الأقل فيما يختص بالمتغيرات التي ستؤثر على الوظيفة المعرفية، ولا يعزز هذا الرأي من الدلالة للصفات التكوينية سوى القليل، بل هو يعزو معظم الفروق في السلوك الإنساني لعوامل بيئية. إن أصحاب النظريات القائلة بذلك لا يدعون غياب كل المحددات التكوينية، ذلك لأنه ما من أحد يستطيع القول جديًّا أن الكائنات البشرية مخلوقات غير بيولوجية، وهم يفترضون أن كل التكوينات اللازمة للنمو الطبيعي موجودة في الوليد، ولا تنتظر سوى المثير المناسب والتمرين لإظهار هذه التكوينات, وإذا لم تظهر هذه الأنماط السلوكية فتفسير ذلك يكون هو "البيئة غير الملائمة"، وهو افتراض دائري. إن التغير في السلوك هو حاصل السمات الوراثية والتغيرات البيئية, والنموذج الإضافي البحت غير معقول؛ لأنه يوحي بأن السلوك يمكن أن يتغير وإن كان أي من طرفي الإضافة يمكن أن يكون صفرًا.. ومما يتناسق منطقيًّا مع النموذج الإضافي أن السلوك يمكن أن يتغير بدون أي مساهمة بيئية, وبالعكس بدون أي أساس سلوكي وراثي, وثمة رأي أكثر قبولًا، ويشار إليه عادة باسم "رأي التفاعل": الوراثة × البيئة = التغير السلوكي.
وطبقًا لهذا الرأي: إذا كانت قيمة أي طرف في الحد الأيمن للمعادلة صفرًا, فإن نتيجة المعادلة أنه لا يوجد سلوك، وبالتالي لا يوجد تغير, ولذلك فإن الوضع الأكثر معقولية للسلوك الإنساني هو كيفية تفاعل الوراثة مع البيئة, وقد أدى هذا الاتجاه العام إلى النجاح في علاج السوابق التكوينية للتخلف العقلي, وبعض الأعراض المرضية الأخرى.
وفيما يلي نعرض توارث السلوك الإنساني، دون البيئة في تشكيل النمو الإنساني: