للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طبيعة النمو الإنساني]

[مدخل]

...

[طبيعة النمو الإنساني]

مقدمة:

يخضع الكائن الحي الإنساني منذ لحظة التكوين حتى الوفاة للتغير المستمر، فهو ليس في حالة استاتيكية ساكنة, ولكنه ينمو خلال المراحل المتعاقبة التي يمر بها نموًّا يشمل كيانه ككل مركب: من النواحي الجسمية - التشريحية، والعقلية - المعرفية، والانفعالية، والاجتماعية، بما يحدد الخصائص التي تميزه كشخصية متفردة, ولا تقف التغيرات عند حدّ معين، ولكنها تستمر وإن كانت بمعدَّل أقل سرعة حتى التدهور الذي يخبره الكيان الإنساني في حالات الشيخوخة.

وهكذا يكون النمو عملية مستمرة تبدأ حتَّى قبل الميلاد، ولا سبيل إلى فهم الوليد البشري فهمًا حقًّا ما لم نتتبَّع عملية النمو الطويلة التي تطرأ عليه منذ نشأته خلية في بطن أمه حتى يبلغ النضج، فما مولد الطفل إلّا حادث واحد من سلسلة متتابعة من التغيرات, وليس بداية هذه التغيرات, غير أنَّ الفرد لا يكون دائمًا واعيًا بالتغيرات الجسمية والنفسية التي تحدث باستمرار، ففي السنوات المبكرة من الحياة، حينما تكون التغيرات سريعة في معدَّلها يكون الانتباه موجَّهًا إليها بسبب التوافقات المستمرة التي على الفرد أن يقوم بها حيال هذه التغيرات، كما أن هذه التغيرات تكون مرغوبة من الفرد؛ لأنها تدل على أنه آخذ في النمو, ولكن هذا الانتباه يتناقص تدريجيًّا مع اتجاه الفرد نحو الرشد؛ حيث يمثل كل تغير إعلانًا له وللعالم المحيط به أنه يأخذ في "التقدُّم في السن".

والاهتمام بظاهرة النمو من مختلف النواحي له تاريخ طويل، ولكن الدراسة العلمية لها تعتبر حديثة نسبيًّا، وكان مجال اهتمام تخصصات عدة، فلقد أصبحت ظاهرة النمو من أهم الموضوعات التي تدرسها علوم الحياة، كعلم الحياة التجريبي، وعلم الأجنَّة، كما أن فسيولوجيا النمو أصبحت علمًا ذا قيمة كبيرة في فهم الكائن الحي وفي التنبؤ بسلوكه، كما أنَّ علم التشريح قد أصبح شديد العناية بأصل التكوين العضوي, وقابلية هذا التكون للتعديل والتغير. وكذلك تبحث الكيمياء الحيوية في طاقات النمو وفي العوامل الشارطة المنظمة له "أحمد زكي صالح: ١٩٧٤، ٥٦". بالإضافة لذلك أصبح النمو الإنساني أرضًا مشتركة لعدد من العلوم الإنسانية والبيولوجية: كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم الأجنة, وعلم الوراثة. وفي الوقت الحاضر يتناول دراسة النمو الإنساني علمين أساسيين:

الأول: علم تطور الارتقاء النوعي phylogenesis وهو علم تطور النوع الإنساني home sapiens عبر المراحل التاريخية المختلفة للإنسانية, وهو موضوع علم التاريخ الطبيعي استنادًا إلى نظرية دارون.

أما العلم الثاني: فهو علم نمو الفرد ontogenesis ويتناول نمو الأورجانزم الفردي، وهو موضوع علم نفس النمو "التطوري" "genetic" drvelopmental psychology الذي يتناول بالدراسة العلمية مظاهر التغير التي يخبرها الكائن الحي الإنساني بهدف تفسيرها، والتنبؤ بها، وضبطها، وتوجيهها بما يحقق التطور الأمثل لنمو الطفل. "طلعت منصور، عادل الأشول: ١٩٧٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>