أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة العمليات العيانية أو المحسوسة, وتمتد من سن السابعة حتى سن الحادية عشر تقريبًا، وفيها يبدأ الطفل يفكر تفكيرًا شبيهًا بتفكير الراشد، ويبدأ في التحرُّر من التمركز حول ذاته, ويأخذ في اعتباره وجهة نظر الآخرين, ولكن على الرغم من أنَّه في هذه المرحلة يدرك العالم بشكل موضوعي, ويفكر بمنطق الراشدين، إلّا أنَّ تفكيره لا يزال مختلفًا عن تفكير الراشدين، فهو تفكير عياني أو محسوس وغير مجرد, فعمليات التفكير ترتبط بالأشياء والأحداث المحسوسة الموجودة في الواقع المباشر للطفل.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة: فهي مرحلة العمليات الشكلية "الذكاء المجرد", وتمتد فيما بين الحادية عشر والخامسة عشر من العمر, وفيها تنمو قدرة المراهق على التفكير المجرَّد, ويصل إلى مستوى تفكير الراشدين في النهاية.
والتغيرات التي تحدث في تفكير الطفل عبر المراحل المختلفة، من وجهة نظر بياجيه, ليست تغيرات كمية فحسب، وإنما هي في الأساس تغيرات كيفية، بمعنى: إن الأبنية العقلية في مرحلة نمو معينة تختلف اختلافًا نوعيًّا عن المرحلة السابقة لها وتلك التي تتلوها, ومع ذلك فالمراحل من النوع التجميعي "التراكمي", بمعنى أن الأبنية التي تكوَّنت في مرحلة عمرية معينة، لا تختفي أو تزول نهائيًّا لتحلَّ محلها أبنية جديدة تمامًا, وإنما هي بالأحرى تدخل كجزء مكوّن للأبنية الجديدة. كذلك يتميز نظام تتابع المراحل بالثبات لدى كل طفل, وفي كل ثقافة, وإن اختلفت حدودها الزمنية نسبيًّا باختلاف الثقافات، كما لا توجد حدود زمنية فاصلة بين كل مرحلة وأخرى؛ إذ إن الانتقال بينها يتمُّ بصورة تدريجية يصعب معها تحديد وقت محدد للانتقال من مرحلة إلى التي تتلوها.
تلك فكرة سريعة عن تصوّر بياجيه لمراحل النمو المعرفي, فما هي انعكاساتها على تصوره عن نمو التفكير الأخلاقي. الواقع أن بحوث بياجيه عن التفكير الخلقي قد تركَّزت بشكل أساسي حول موضوعين رئيسيين منفصلين، وهما: فهم الطفل للقواعد rules, وأسلوب mode تفكير الطفل الخلقي, وقد خصَّص