وفي محاولة من أحد الباحثين لتقديم الموضوع العام، أخذ يراقب ابنته، وعددًا آخر من أطفال الصف الرابع، وهي ترسم خريطة لمدرستها. كان الأطفال في حجرة الدراسة، ومعهم قطعة كبيرة من الورق، أخذوا يحاولون في استماتة أن يرسموا تخطيطًا معقولًا لمدرستهم كانت المدرسة على شكل حرف H. ولخيبة أمل المدرسين والآباء، كانت الحصيلة النهائية للمحاولة سيئة للغاية: فقد جاء نصف موقع صالة الرياضة في داخل حجرة الناظر والنصف الآخر في فناء المدرسة. أما المقصف فجاء موقعه تقريبًا داخل الفصل، وجاء مدخل المدرسة ملفوتًا بمقدار ١٨٠ درجة. وبعد أن ترك الأب الحزين مبنى المدرسة ذهب إلى مكتبة وأقفل الباب ثم جلس أمام قطعة من الورق وأخذ يحاول أن يعرف إذا كان ذلك الواجب "تلك المهمة" بهذا القدر من الصعوبة حقًا كان الوالد قد زار المدرسة ثلاث مرات فقط قبل ذلك. لم يكن الوالد ممتازًا في مجال الفن، ولكنه استطاع أن يرسم خريطة معقولة للمدرسة. فلماذا إذن حدث ذلك الفرق؟
إن مادة هذه المناقشة مستمدة إلى حد كبير من رسالة حديثة قدمها سيجل وهوايت "١٩٨٩" Siegel & White، وفيها قدما عرضًا تاريخيًا للمفاهيم وتفسيرًا للتمثيل "الإدراك" المكاني، وكذلك عرضًا كاملًا للأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع. ومن أهم السمات التي تبرز من هذا العرض أن نمو الإدراك المكاني واستخدامه يتصل اتصالًا وثيقًا بدرجة التحرك لدى الفرد في البيئة. فمع تزايد القدرة على الحركة لدى الأطفال، والحرية في استطلاع بيئتهم، فإن استطلاعاتهم تساعدهم على تكوين التمثيل المكاني لعالمهم. ويمكننا أن نظن أن تلميذة الصف الرابع وأقرانها أما إنهم لا يتحركون كثيرًا "والواقع عكس ذلك" أو أن هذا التفسير ليس مناسبًا.
والواقع أن سيجل وهوايت Siegel & White يؤكدان على أن أنواع المعلومات التي يحصل عليها الأطفال من استطلاع بيئاتهم تختلف عن معلومات الراشدين. إن الراشدين يلاحظون ويتذكرون العالم. علاوة على ذلك فإن معالم مختلفة تتم ملاحظتها. كما يؤكدان على أن الأطفال الصغار فيما يختص بخرائطهم التي تمثل جوارهم، يميلون لرسم الأشياء الحقيقية، في حين أن الأطفال الكبار يمثلون نفس الأشياء برمزية أكثر. وبعبارة أخرى: فإن خرائط الأطفال الأكبر