و وفي مبدأ هذه المرحلة يسير الطفل ببطء كبير في محاكاته، فقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من محاكاته، وقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من بضع كلمات مع أنه يكون فاهمًا لمعظم ما يسمعه وما يقال له، ثم تحل عقده لسانه مرة واحدة، وحينئذ يسير في هذا السبيل بخطى حثيثة لدرجة يصعب معها على من يلاحظه أن يحصي ما يدخل في متن لغته كل يوم من كلمات جديدة.
ز- وفي وسط هذه المرحلة وأواخرها تصل قوة التقليد اللغوي عند الطفل في مهارتها ودقتها ونشاطها وغزارة محصولها وأهميتها وسيطرتها على النفس إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه قوة إنسانية، ففي هذا الدور لا يدع الطفل أي كلمة أو جملة جديدة يسمعها أو يطلب إليها محاكاتها بدون أن يحاكيها، وأن عاقه طول جملة عن تكرارها نجده يحاكي ما يعلق بذهنه من كلمات وبخاصة آخر كلمات الجملة.
ولا يقتصر الطفل على تقليد الكلمات والجمل التي يدريه عليها المحيطون به، بل يحاكي كذلك من تلقاء نفسه كثيرًا من الكلمات التي ترد في محادثات الكبار على مسمع منه، حتى الكلمات الدقيقة منها. ويحرص الطفل كل الحرص على ما يحصل عليه من مفردات وعبارات.
وكثيرًا ما يبلغ به هذا الحرص أن يكرر هذه المفردات والعبارات في خلوته، ويؤلف من شتاتها أغاني وجملًا غير ذات دلالة ولكن يكون لها تأثير في تثبيت هذه الكلمات أو الجمل في ذهنه.
ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في أثناء هذه المرحلة، ولشدة ميله إلى التقليد: يستطيع أن يتعلم بسرعة وسهولة عن طريق المحاكاة أية لغة أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، ولكن يكون ذلك على حساب لغته الأولى حيث تقابل الطفل صعوبات كثيرة في تعلم المفاهيم اللغوية المرتبطة بلغته القومية، فما بالنا بالمفاهيم اللغوية التي يكون عليه اكتسابها عند تكلمه للغة أجنبية. فمن الملاحظ أن تعلم الطفل لغة أجنبية في مثل هذه السن