وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم العلم، والشريعة التي تركها الأنبياء لمن بعدهم بأنها هي الميراث الذي ورثوه للأمة، وأن الله حرم على الناس أن يرثوا من الأنبياء شيئا من المال أو المتاع؛ لأنهم ما أرسلوا لجميع المال، ولا للاغتناء، ولا ليورثوا ذريتهم المال.
فالشريعة وتعاليم النبوة هي أعز ميراث يحيي في النفس عقيدة التوحيد، ويربي الناشئين على الفطرة السليمة.
ولذلك كان إغناء خبرات الناشئين بتعاليم الشريعة، وعقيدة التوحيد، أول وظيفة وأهم مهمة تضطلع بها المدرسة في نظر التربية الإسلامية.
وكل "تراث" آخر يجب أن يكون تبعًا لهذا التراث الإلهي، الذي أورثه الله الذين اصطفى من عباده من الأنبياء وأتباعهم، حتى وصلتنا الشريعة المحمدية بيضاء نقية لنعمل بها، ونحقق عبادة الله وتوحيده.
فعلوم الأمم الأخرى وحضارتها: إنما نأخذ منها ما يمكننا في الأرض، ويعطينا أسباب القوة بكل معانيها: القوة الحربية، والقوة الاقتصادية، والقوة الإعلامية، والقوة التنظيمية، لندفع عن عقيدتنا وأرضنا، وديارنا ومساجدنا، وأرواحنا وأعراضنا.
بهذا القصد نوسع خيرات النشء العلمية: الفيزيائية والكيميائية، والفلكية والجوية والجغرافية، والحسابية الرياضية، وغيرها وغيرها.
لا يقصد التفاخر والتباهي، والتكاثر والظهور بمظهر المتحضرين، الذين تضاعفت عندهم أعداد المتعلمين أضعافا مضاعفة في ربع قرن من الزمن، أو انتشرت عندهم الثقافات العلمية، وكثرت المخابر والكليات العلمية.
إن الأمم لا تقاس بالعدد، وإنما تكثر بالنصر وتقل بالخذلان، أي أنها تقاس بالنتائج التي تحققها في مجالات النصر، والتفوق الحربي والصناعي والمعنوي، تقاس بما غرست المدرسة في نفوس أبنائها من الإيمان بالله، والثقة بالنفس وطلب الموت في سبيل إعلاء كلمة الله، ومن الوعي العلمي، والثقافي المسلح بسلاح
الإيمان، وعلوم اللغة العربية وآدابها، والتاريخ الإسلامي كل هذه المعارف، والعلوم جزء من التراث الإسلامي؛ لأنها ساعدت على فهم القرآن، وحفظ الشريعة والعمل بها، لذلك يجب انتقاء ما يحقق هذا الهدف، من تلك العلوم، وترك الشوائب والانحرافات التي حصلت على هامش هذا التاريخ الإسلامي العتيد، فضخمها الذين يتبعون الشهوات، ويريدون للمؤمنين أن يميلوا ميلا عظيما، وجعلوا
يعرضون الخلافات والحروب الداخلية، والأخبار الماجنة المنسوبة إلى بعض الخلفاء والأمراء، وكأنها هي مقياس هذا التاريخ والأصل فيه، وغفلوا أو تغافلوا عن الهدف الأسمى الذي من أجله فتح أجدادنا الدنيا، وعن الإصلاحات
الداخلية العظيمة التي قاموا بها. وجعلوا معظم شواهد علوم اللغة، وتاريخها وآدابها تدور حول أمور الحياة والشهوات والمجون، وغفلوا عن شواهد القرآن وآدابه، وهو الذي حفظ الله به اللغة العربية من الضياع، والانقسام والتفسخ،
وجمع شمل الأمة وكلمتها.