للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى: "أجزت فلانًا بتدريس الكتاب الفلاني في العلم الفلاني"، ولم تكن "الإجازة" تعطي إلا بعد شعور صحيح بقدرة هذا "المدرس الجديد"، وبعد مرافقته لشيخه مدة كافية، ومناقشته لجميع قضايا الكتاب مع فهم، وإتقان ومعالجة، ويبقى "المجاز" بعد ذلك على صلة بشيخه، وهكذا كانت الشهادة نقطة بداية للدراسة والبحث العلمي، أما اليوم فقد أصبح الطالب يقصر همته على نيل الشهادة، فإذا حصل عليها انتهت حياته العلمية، ونسي كل شيء، وصارت قيمة الشهادة تقدر بمقدار ما تتيح لصاحبها من عمل يدر عليه الأرباح الطائلة بأقل جهد ممكن، حتى كأنها "صك" يحمله المتخرج يطرق به أبواب الشركات، أو الدوائر الحكومية، ليحصل على مركز اجتماعي، ويقبض راتبا شهريا كبيرا.

*- تخريج موظفين آليين:

وهكذا صارت جامعاتنا ومدراسنا تخرج شبابا قليلة ثقافتهم، سطحيا تفكيرهم لا هم لهم إلا الوصول إلى الشهادة، لا يؤمنون بالحقائق العليمة لذاتها، ولا يستمتعون بنتائجها الفكرية والتطبيقية، إنما همهم أن يصبوا حروفا، وعبارات على ورقة الامتحان ثم ينسوها إلا تخرجوا، فإذا تسلموا عملا في دائرة أو شركة، أصبحوا موظفين كالآلة الصماء يتحركون حسب الأوامر المعطاة لهم، فاقدين كل قدرة على المبادهة والأصالة، وابتكار الحلول الشخصية للمشكلات التي تعترضهم، ولا هم لهم إلا أن يعدوا الأيام ليقبضوا رواتبهم، والأشهر أو السنوات لينتظروا علاواتهم وترفيعهم.

وتحل هاتان المشكلتان باتباع، أو تحقيق الأمور الآتية:

- تدريب الشبان في حياتهم الجامعية، أو في المعاهد الفنية أو السلكية، على استعمال معارفهم والعلوم، والفنون التي يتلقونهم في حل مشكلات مجتمعهم، أي الإكثار من البحوث والتجارب العلمية الميدانية والدورات الصيفية، يقضونها في بعض الأعمال من النوع الذي يناسب تخصصهم الفني، أو العلمي الجامعي.

- إيقاظ الوازع الرباني، والوعي التربوي الإسلامي عند الشبان حتى يشعروا بمسئوليتهم عن علمهم، ماذا عملوا به تجاه خالقهم يوم الجزاء، وبهذا يشعرون بأن تعلمهم هو إعدادهم للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله عن طريق إصلاح مجتمعم، والنهوض بواقع أمتهم الإسلامية.

- غرس الثقة عند الشبان، والإيمان بالكرامة التي كرم الله بها الإنسان، والاعتقاد بأن الذي يشرف الشاب هو علمه، وبحثه وما يتقن من مهارات، وما يقدم من أعمال مخلصًا، وأن الشهادة إنما هي رمز لاجتياز مرحلة، ليست دليلا على التأهيل لعمل، فكم من حامل شهادة أخفق في حياته، وكم من عالم نحرير، شهادته هي مؤلفاته وأبحاثه، وإخلاصه في بث العلم والعمل به.

وكم من خبير طبقت شهرته الآفاق، قبل أن يحمل الشهادات العليا.

<<  <   >  >>