كل ذلك إلى جانب تربية العبودية لله، وهو الهدف الأصلي المقصود بالدرجة الأولى من هذه الآية الكريمة، فالتصديق بآلاء الله ونعمه، وآيات قدرته ووحدانيته، يثمر في قلب المؤمن ثمرة عظيمة هي إخلاص الخضوع، والعبودية والانقياد لله وحده، وهذا من أهم نتائج "العاطفة الربانية"، وهي العاطفة السائدة تترعرع في التربية الإسلامية، فتتوجه سائر العواطف بتوجيهها، وتهذب الغرائز،
والنزعات الإنسانية بسيطرتها، فتستقيم الشخصية، وتقوى وتتضافر جميع الطاقات والاستعدادات، وتتجه إلى تحقيق هدف واحد.
الحوار الخطابي التعريضي:
وهو خطاب من الحق جل جلاله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يتضمن تعريضا بالمشركين كوصف مساوئهم أو ضعفهم، أو الاستهزاء بباطلهم، أو تهديدهم بعذاب الله.
أ- فالتنويه ببعض ترهاتهم، واتهاماتهم الباطلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى:{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ}[الطور: ٥٢/ ٢٩] ، وفي هذا الشكل من أشكال الحوار الخطابي تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، وتقوية لعزائم الدعاة إلى الله: كما في الشكل الذي يليه:
ب- والتهديد من الله تعالى، كقوله جل جلاله:{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين}[القلم: ٦٨/ ٤٤-٤٥] .
يلاحظ أن للحوار الخطابي التعريضي آثارًا تربوية في النفس أهمها:
١- تسلية المؤمنين والدعاة إلى الله تعالى عما يلاقون من عنت، وإرهاب فيسبيل الله، وإشعارهم بأن النتيجة لهم، وأن الله معهم ضد أعمال أعداء الله.
٢- الإيحاء إلى قارئ القرآن بأن تحتقر صفات المشركين، وأعمالهم، وإيقاظ انفعالات الاشمئزاز من باطلهم وكفرهم، حتى تصبح هذه الانفعالات عاطفة متأصلة في نفس الناشئ عن طريق التكرار كما مر معنا.
والإيحاء كما يرى علماء النفس هو: إيصال القناعة بفكرة ما إلى ذهن السامع عن غير طريق التلقين المباشر، فقد يكون عن طريق القصة، أو التعريض، كما رأينا في الآيات السابقة، وهو أشد تأثيرًا في بعض الأحيان من التلقين المباشر.