للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واكتساب الإثم يعني انحراف الإنسان عن جادة الصواب، أي عن طاعة الله وعبادته التي أخذ بها نفسه، منذ أن آمن بالله حق الإيمان، وأسلم وجهه لله، أي استسلم لأوامره ومناجاته، والخضوع له، والتوبة من الذنب أو الإثم هي الرجوع عن ارتكابه، والعزم على تركه وأن يستبدل به الإنسان عملًا صالحًا.

وهي جزء من العبادة؛ لأنها تقوم على تذكرة رقابة الله، ونعمه وجبروته وعقابه، وهذا التذكير يدعو إلى الندم على ما فرط الإنسان في جنب الله، والإقلاع عن الذنب، والقيام بالعمل الصالح.

بل هي عبادة راتبة يومية ندب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستغفر بعد كل فريضة، وكان يستغفر كل يوم سبعين مرة.

وقد أمر بها القرآن قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٢٤/ ٣١] .

كما أخذ الله العهد على نفسه أن يمحوا أخطاء التائبين، ويغفر لهم: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ٦/ ٥٤] .

فالتوبة تطهير مستمر للنفس، ورجوع مستمر إلى الله، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل صيغة للتوبة، والاستغفار فقال:

"سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، ومن قالها حين يصبح موقنا بها، فمات من يومه دخل الجنة، ومن قالها حين يمسي موقنا بها، فمات من ليلته دخل الجنة" ١.

وقد ثبت لدى علماء النفس، والطب النفسي أو الصحة النفسية، أن التوبة تشفي من كثير من الأزمات، والأمراض النفسية؛ لأنها تعين على إعادة تكيف الإنسان مع نفسه، ومع مبادئه ومثله الأعلى، ومع مجتمعه القائم على المثل الأعلى، الذي هو عباة الله في النظام الإسلامي، ومراقبته، كما أنها تربي المجتمع على التسامح بين أفراده.

وفي هذا المعنى "التسامح" يقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٢٤/ ٢٢] .

وكان أبو بكر قد أقسم ألا يعود إلى إعطاء "مسطح" الذي روج الإفك، وهو اتهام عائشة رضي الله عنها، وألا يتصدق عليه بعد ذلك، وكان قبل ذلك يتعهده بالصدقة، فلما نزلت هذه الآية في حق أبي بكر وأمثاله قالوا: "بلى نحب أن يغفر الله لنا"، وعفى وصفح عمن تكلم في عرض ابنته.

لأن التوبة وطلب المغفرة من قد علمته أن يصفح عن الناس كما يحب أن يغفر الله، ويصفح عنه.


١ زاد المعاد ص١٦، تأليف ابن قيم الجوزية، مصطفى البابي الحلبي الطبعة الثانية ١٣٦٩هـ، وقد أخرجه البخاري.
انظر الكلم الطيب، لابن تيمية ص٣٢ منشورات الكتب الإسلامي ١٩٥٠م.

<<  <   >  >>