للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إن للحق منارًا كمنار الطريق". وإذا كان الكفار لما سمعوا القرآن في حال كفرهم قالوا: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوه، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمورق وإن له لثمرة، وإن له في القلوب لصولة ليست بصوله مبطل! " فما الظن بالمؤمن التقي النقي، الذي له عقل تام عند ورود الشبهات، وبصر نافذ عند ورود الشهوات؟ قال بعض السلف: "إن العبد ليهم بالكذب فأعرف مراده قبل أن يتمم" وقد قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} ١ وقد كان عمر بن الخطاب له حظ من ذلك كقصته٢ مع سواد بن قارب وغيره. فإن القلب الصافي له شعور بالزيغ والانحراف في الأفعال والأعمال. فإذا سمع الحديث عرف مخرجه من أين، وإن لم يتكلم فيه الحفاظ وأهل النقد. فمن كانت أعماله خالصة لله موافقة للسنة ميز بين الأشياء، كذبها وصدقها، بشواهد تظهر له على صفحات الوجوه وفلتات الألسنة. قال شاه الكرماني: "من عمر باطنة بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة، وغض بصره عن المحارم، وعود نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة فالله سبحانه هو الذي يخلق الرعب والظلمة في قلوب الكافرين، والنور والرهان في قلوب المتقين، ولهذا ذكر الله آية النور عقيب غض النظر، وكف النفس عن المحارم. وكذلك إذا كان العبد صدوق اللسان، كان أقوى له وأتم على معرفة الأكاذيب والموضوعات فإن الجزاء من جنس العمل، فيثيب الله الصدوق ويجد للكذب مضاضة ومرارة ينبو عنها سمعه ولا يقبلها عقله". ولما قدم وفد هوازن على النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمين وسألوه أن يرد عليهم سبيهم ومالهم قال لهم: "أحب الحديث إلى أصدقه" ٣ ولهذا كان كعب بن مالك، بعد أن عمي، إذا تلكم الرجل بين يديه بالكذب يقول له: "اسكت، إني لأجد من فيك رائحة الكذب! " إذا سمع حديثا مكذوبا، عرف كذبه وذلك أنه أجمع الصدق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قدم من غزوة تبوك وأنزل الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ٤ فإن الله سبحانه يلهم الصادق الذكي معرفة الصدق


١ سورة محمد، الآية: ٣٠.
٢ راجع القصة في الإصابة ج٢ ص٩٦.
٣ أخرجه البخاري من حديث مروان والمسور بن مخرمة.
٤ سورة التوبة، الآية: ١٢٠.

<<  <   >  >>