للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الكذب كما في الحديث: "الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" وقال لوابصة: "استفت قلبك" ١ وقد ترك النبي أمته على البيضاء ليلها كنهارها، وهذا من أدل الأشياء على ما قلنا. وإنما يُؤتى الإنسان ويدخل الزيف عليه والباطل من نقص متابعته للرسول، بخلاف المؤمن المحسن المتبع له في أقواله وأفعاله فإن أقوال الرسول عليها جلالة ولها ناموس، ولقد رأيت رجلا إذا سمع حديثا مرويا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان ليس مما قاله يرده ويقول: "هذا موضوع أو ضعيف أو غريب" من غير أن يسمع في ذلك بشيء فيكشف عنه، فإذا هو كما قال وكان قل أن يخطئ في هذا الباب فإذا قيل له من أين لك هذا؟ يقول كلام الرسول عليه جلالة وفيه فحولة ليست لغيره من الناس وكذلك كلام أصحابه وكنت أكشف عما يقول فأجده غالبًا كما قال، وكان من أتبع الناس للسنة وأقلاهم للبدع والأهواء وكذلك كان يقع هذا كثيرًا، فإن الدين هو فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، فمن تلبس في باطنه بالإخلاص والصدق، وفي ظاهره بالشرع لانت له الأشياء ووضحت على ما هي عليه عكس حال أهل الضلال والبدع الذين يتكلمون بالكذب والتحريف، فيدخلون في دين الله ما ليس منه وانظر ألفاظ القرآن لما كانت محفوظة منقولة بالتواتر لم يطمع مبطل ولا غيره في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء بخلاف الحديث فإن المحرفين والوضاعين تصرفوا فيه بالزيادة والنقصان والكذب والوضع في متونه وأسانيده، ولكن أقام الله به من ينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ويحميه من وضع الوضاعين فبينوا ما أدخل أهل الكذب والوضع فيه وأهل التحريف في معانيه كمن صنف في الصحيح كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وكذلك أهل المساند كمسند أحمد ونحوه وكمالك وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من تكلم على الحديث، وكذلك الذين تكلموا على الرجال وأسانيدها:


١ هذه جملة من حديث أخرجه الإمامان أحمد والدارمي في مسنديهما. قال الحافظ ابن رجب: "وقد رُوي هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه متعددة، وبعض طرقه جيدة".

<<  <   >  >>