الفطرة، شاهدت الأشياء على ما هي عليه فأنكرت منكرها، وعرفت معروفها. قال عمر:"الحق أبلج لا يخفى على فطن" فإذا كانت الفطرة مستقيمة على الحقيقة منورة بنور القرآن تجلت لها الأشياء على ما هي عليه في تلك المرايا، وانقشعت عنها ظلمات الجهالات فرأت الأمور عيانًا مع غيبها عن غيرها، وفي السنن والمسند، وغيره عن النواس بن سمعان عن النبي قال:"ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو على رأس الصراط، وداع يدعو من فوق فالصراط المستقيم هو الإسلام، والستور المرخاة حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله فإذا أراد العبد أن يفتح بابًا من تلك الأبواب ناداه المنادى يا عبد الله لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه؛ والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي فوق الصراط، واعظ الله في قلب كل مؤمن" فقد بين هذا الحديث العظيم الذي من عرفه انتفع به انتفاعًا بالغًا إن ساعده التوفيق، واستغنى به عن علوم كثيرة أن في قلب كل مؤمن واعظًا والوعظ هو الأمر والنهى والترغيب والترهيب، وإذا كان القلب معمورًا بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت بخلاف القلب الخراب المظلم قال حذيفة بن اليمان:"إن في قلب المؤمن سراجًا يزهر" وفي الحديث الصحيح: "إن الدجال مكتوب بين عينيه: "كافر" يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ" ١ فدل على أن المؤمن يتبين له ما لا يتبين، ولا سيما في الفتن وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله. فإن الدجال أكذب خلق الله مع أن الله يجري على يديه أمورًا هائلة، ومخاريق مزلزلة؛ حتى إن من رآه افتتن به؛ فيكشفها الله للمؤمن حتى يعتقد كذبها وبطلانها. وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف. وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم ولهذا قال بعض السلف في
١ أحاديث الدجال كثيرة، ثابتة في الصحيحين وغيرهما بألفاظ مختلفة.