للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثير من الخائضين في المذاهب والخلاف وأصول الفقه. وقد قال عمر بن الخطاب: "اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة" وحديث مكحول المرفوع: "ما أخلص عبد العبادة لله تعالى أربعين يومًا إلا أجرى الله الحكمة على قلبه، وأنطق بها لسانه"١ وقال أبو سليمان الداراني: "إن القلوب إذا أجمعت على التقوى جالت في الملكوت، ورجعت إلى صاحبها بطرف الفوائد من غير أن يؤدي إليها عالم علما" وقد قال النبي: "الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء" ٢ ومن معه نور وبرهان وضياء كيف لا يعرف حقائق الأشياء من فحوى كلام أصحابها، ولا سيما الأحاديث النبوية فإنه يعرف ذلك معرفة تامة لأنه قاصد العمل فتتساعد في حقه هذه الأشياء مع الاقتداء ومحبة الله ورسوله حتى إن المحب يعرف من فحوى كلام محبوبه مراده تلويحًا لا تصريحًا:

والعين تعرف من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها

وقد قيل:

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

وفي الحديث الصحيح: "لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها" ٣ ومن كان توفيق الله له كذلك، فكيف لا يكون ذا بصيرة نافذة ونفس فعالة، وإذا كان الإثم والبر في صدور الخلق له تردد وجولان فكيف حال من الله سمعه وبصره، وهو في قلبه. وقد قال ابن مسعود: "الإثم حزاز القلوب" وقد قدمنا أن: "الكذب ريبة والصدق طمأنينة" فالحديث الصدق تطمئن إليه النفس ويطمئن إليه القلب وأيضًا فإن الله فطر عبادة على الحق فإذا لم تستحل


١ روى في الجامع الصغير من حديث أبي أيوب بلفظ: "من أخلص لله أربعين يومًا، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"، وعزاه لأبي نعيم في الحلية وقال شارحه العزيزي: "إسناده ضعيف".
٢ أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري.
٣ قال الحافظ إن رجب: "هذا الحديث تفرد بإخراجه البخاري دون بقية أصحاب الكتب".

<<  <   >  >>