لا يسأل العاقد عن جنسها ولا صفتها ولا قيمتها، ولا عيب فيها ولا يبالي بذلك البتة حتى لو كانت خرقة مقطعة أو أذن جدي أو عودًا من حطب، أدخلوه محللًا للربا، ولما تفطن المحتالون إلى أن هذه المسألة لا اعتبار بها في نفس الأمر، وأنها ليست مقصودة بوجه، وأن دخولها كخروجها تهاونوا بها ولم يبالوا بكونها مما يتحول عادة، أو لا يتحول ولا يبالي بعضهم بكونها مملوكة للبائع أو غير مملوكة بل لم يبال بعضهم بكونها مما يباع أو مما لا يباع كالمسجد والمنارة والقلعة، وكل هذا واقع من أرباب الحيل وهذا لما علموا أن المشتري لا غرض له في السلعة، وقالوا: أي سلعة اتفق حضورها حصل بها التحليل كأي يتس اتفق في باب محلل النكاح، وما مثل من وقف مع الظواهر والألفاظ ولم يراع المقاصد والمعاني إلا كمثل رجل قيل له لا تسلم على صاحب بدعة فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه، أو قيل له اذهب فاملأ هذه الجرة فذهب وملأها ثم تركها على الحوض، وقال: لم يقل ائتني بها، وكمن قال لوكيله بع هذه السلعة فباعها بدرهم، وهي تساوي مائة، ويلزم من وقف مع الظواهر أن يصحح هذا البيع، ويلزم به الموكل وإن نظر إلى المقاصد تناقض حيث ألقاها في غير موضع، وكمن أعطاء رجلًا ثوبًا فقال: والله لا ألبسه لما فيه من المنة فباعه، وأعطاه ثمنه فقبله وكمن قال: والله لا أشرب هذا الشراب فجعله عقيدًا أو ثرد فيه خبزًا وأكله، ويلزم من وقف مع الظواهر والألفاظ أن لا يحد من فعل ذلك بالخمر، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن من الأمة من يتناول المحرم ويسميه بغير اسمه فقال:"لتشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف، والقينات يخسف الله بهم ويجعل منهم القردة والخنازير" رواه أحمد وأبو داود.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: وقد جاء حديث آخر يوافق هذا مرفوعًا وموقوفًا من حديث ابن عباس: "يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء يستحلون الخمر باسم يسمونها إياه، والسحت بالهدية والقتل بالرهبة، والزنا بالنكاح والربا بالبيع" وهذا حق فإن استحلال الربا