للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبدل الأحكام والحقائق، لفسدت الديانات، وبدلت الشرائع واضمحل الإسلام. هذا ملخص ما أفاده في هذه المسألة الإمام ابن القيم في: "إعلام الموقعين"١ وذكر رحمه الله أيضًا فيه حكم الحيلة في إسقاط الزكاة إذا كان في يده نصاب بأن يبيعه، أو يهبه قبل الحول ثم يشتريه فقال: "هذه حيلة محرمة باطلة، ولا يسقط ذلك عنه فرض الله الذي فرضه، وأوعد بالعقوبة الشديدة من ضيعة وأهمله، فلو جاز إبطاله بالحيلة التي هي مكر وخداع لم يكن في إيجابه والوعيد على تركه فائدة، وقد استقرت سنة الله سبحانه في خلقه شرعًا وقدرًا على معاقبة العبد بنقيض قصده كما حرم القاتل الميراث وورث المطلقة في مرض الموت، وكذلك الفار العبد من الزكاة لا يسقطها عنه فراره ولا يعان على قصد الباطل فيتم مقصودة ويسقط مقصود الرب سبحانه وتعالى. وكذلك عامة الحيل أنى يساعد فيها المتحيل على بلوغ غرضه ويبطل غرض الشارع، وكذلك المجامع في نهار رمضان إذا تغدى أو شرب الخمر أولًا ثم جامع قالوا لا تجب عليه الكفارة، وهذا ليس بصحيح فإن ضمه إلى إثم الجماع إثم الأكل، والشرب لا يناسب التخفيف عنه بل يناسب تغليظ الكفارة عليه فسبحان الله هل أوجب الشارع الكفارة لكون الوطء لم يتقدمه مفطر قبله أو للجناية على زمن الصوم الذي لم يجعله الله محلا للوطء وانقلبت كراهة الشرع له محبة، ومنعه إذنا هذا من المحال، فتأمل كيف تتضمن الحيل المحرمة مناقضة الدين وإبطال الشرائع، ويا لله العجب! أيروج هذا الخداع والمكر والتلبيس على أحكم الحاكمين الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور فتعالى شارع هذه الشريعة الفائقة على كل شريعة أن يشرع فيها الحيل التي تسقط فرائضه وتحل محارمه وتبطل حقوق عباده وتفتح للناس أبواب الاحتيال، وأنواع المكر والخداع، وأن يبيح التوصل بالأسباب المشروعة إلى الأمور المحرمة المنوعة، وقد أخبر الله سبحانه عن عقوبة المحتالين على حل ما حرمه عليهم، وإسقاط ما فرضه عليهم في غير موضع من كتابه قال أبو بكر


١ ص١٠٧ ج٣.

<<  <   >  >>