للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم رجوعه إلى خبر مغيرة، وسؤاله إياهم في الوباء، ثم رجوعه إلى خبر عبد الرحمن بن عوف، وكذا رجوعه في قصة المجوس إلى خبره وسرور عبد الله بن مسعود بخير معقل بن يسار لما وافق رأيه، وقصة رجوع أبي موسى عن باب عمر وسؤاله عن الحديث وشهادة أبي سعيد له، وأمثال ذلك كثيرة معلومة مروية في الصحيحين والسنن، وبالجملة فهذه كانت عادته الكريمة -صلى الله عليه وسلم- فرأى كل صحابي ما يسره الله له من عبادته وفتاواه وأقضيته، فخفظها وعقلها وعرف لكل شيء وجها من قبل حفوف القرائن به فحمل بعضها على الإباحة وبعضها على النسخ لأمارات وقرائن كانت كافية عنده، ولم يكن العمدة عندهم إلا وجدان الاطمئنان والثلج من غير التفات إلى طرق الاستدلال كما ترى الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم وتثلج صدورهم بالتصريح والتلويح والإيماء من حيث لا يشعرون فانقضي عصره الكريم وهم على ذلك ثم إنهم تفرقوا في البلاد وصار كل واحد مقتدي ناحية من النواحي فكثرت الوقائع ودارت المسائل فاستفتوا فيها فأجاب كل واحد حسب ما حفظه أو استنبط وإن لم يجد فيما حفظه أو استنبط ما يصلح للجواب اجتهد برأيه وعرف العلة التي أدار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليها الحكم في منصوصاته، فطرد الحكم حيثما وجدها لا يألو جهدًا في موافقه عرضه عليه الصلاة والسلام فعند ذلك وقع الاختلاف بينهم على ضروب منها أن صحابيا سمع حكما في قضية أو فتوى ولم يسمعه الآخر فاجتهد برأيه في ذلك، وهذا على وجوه.

أحدها: أن يقع اجتهاده موافق الحديث مثاله ما رواه النسائي وغيره أن ابن مسعود -رضي الله عنه- سئل عن امرأة مات عنها زوجها ولم يفرض لها -أي لم يعين لها المهر- فقال: لم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي في ذلك فاختلفوا عليه شهرًا، وألحوا فاجتهد برأيه وقضى بأن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط١ وعليها العدة، ولها الميراث فقام معقل بن يسار فشهد بأنه قضى بمثل ذلك في امرأة منهم، ففرح بذلك ابن مسعود فرحة لم يفرح مثلها قط بعد الإسلام.


١ قوله: لا وكس ولا شطط: أي لا نقصان ولا زيادة. ا. هـ.

<<  <   >  >>