الروايتين. فذهب الشعبي وغيره إلى أن النهي مختص بالصحراء، فإذا كان في المراحيض فلا بأس بالاستقبال والاستدبار، وذهب قوم إلى أن القول عام محكم، والفعل يحتمل كونه خاصًّا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينتهض ناسخًا ولا مخصصًا، وبالجملة فاختلفت مذاهب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذ عنهم التابعون كذلك كل واحد ما تيسر له فحفظ ما سمع من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومذاهب الصحابة وعقلها وجمع المختلف على ما تيسر له، ورجح بعض الأقوال على بعض واضمحل في نظرهم بعض الأقوال وإن كان مأثورًا عن كبار الصحابة كالمذهب المأثور عن عمر وابن مسعود في تيمم الجنب، اضمحل عندهم لما استفاض من الأحاديث عن عمار وعمران بن الحصين وغيرهما فعند ذلك صار لكل عالم من علماء التابعين مذهب على حياله فانتصب في بلد إمام مثل سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر في المدينة، وبعدهما الزهري والقاضي يحيى بن سعيد وربيعة بن عبد الرحمن فيها، وعطاء بن أبي رباح بمكة وإبراهيم النخعي، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، وطاوس بن كيسان باليمن، ومكحول بالشام فأظمأ الله أكبادًا إلى علومهم فرغبوا فيها وأخذوا عنهم الحديث وفتاوي الصحابة، وأقاويلهم ومذاهب هؤلاء العلماء وتحقيقاتهم من عند أنفسهم واستفتي منهم المستفتون ودارت المسائل بينهم، ورفعت إليهم الأقضية وكان سعيد بن المسيب وإبراهيم وأمثالهما جمعوا أبواب الفقه أجمعها، وكان لهم في باب أصول تلقوها من السلف، وكان سعيد وأصحابه يذهبون إلى أن أهل الحرمين أثبت الناس في الفقه، وأصل مذهبهم فتاوي عبد الله بن عمر وعائشة وابن عباس وقضايا قشاة المدينة فجمعوا من ذلك ما يسره الله لهم ثم نظروا فيها نظر اعتبار وتفتيش فما كان منها مجمعًا عليه بين علماء المدينة فإنهم يأخذون عليه بنواجذهم، وما كان فيه اختلاف عندهم فإنهم يأخذون بأقواها وأرجحها إما بكثرة من ذهب إليه منهم، أو لموافقته بقياس قوي أو تخريج صريح من الكتاب والسنة أو نحو ذلك، وإذا لم يجدوا فيما حفظوا منه جواب المسألة خرجوا من كلامه، وتتبعوا الإيماء فحصل لهم مسائل كثيرة في كل باب، وكان إبراهيم