للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: اختلاف الضبط مثاله ما روى ابن عمر١ أو عمر عنه -صلى الله عليه وسلم- من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقضت عائشة عليه بأنه لم يأخذ الحديث على وجهه مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: "إنهم يبكون عليها وإنها تعذب في قبرها". فظن العذاب معلولًا للبكاء فظن الحكم عامًّا على كل ميت٢.

ومنها: اختلافهم في علة الحكم، مثاله: القيام للجنازة فقال قائل: لتعظيم الملائكة فيعم المؤمن والكافر، وقال قائل: لهول الموت فيعمهما، وقال٢ الحسن بن علي -رضي الله عنهما: مر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجنازة يهودي فقام لها كراهية أن تعلو فوق رأسه فيخص الكافر.

ومنها: اختلافهم في الجمع بين المختلفين، مثاله: رخص٣ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المتعة عام خيبر، ثم رخص فيها عام أوطاس، ثم نهى عنها، فقال ابن عباس: كانت الرخصة للضرورة، والنهي لانقضاء الضرورة، والحكم باق على ذلك، وقال الجمهور: كانت الرخصة إباحة والنهي نسخًا لها مثال آخر٤. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن استقبال القبلة في الاستنجاء فذهب قوم إلى عموم هذا الحكم، وكونه غير منسوخ ورآه جابر يبول قبل أن يتوفى بعام مستقبل القبلة فذهب إلى أنه نسخ للنهي المتقدم، ورآه ابن عمر قضى حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام فرد به قولهم وجمع قوم بين


١ أخرجه في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر.
٢ في الصحيحين من حديث جابر قال: مر بنا جنازة فقام لها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقمنا معه، قيل له: يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها"، ومن حديث سهل بن حنيف فيهما فقال: "أليست نفسًا"؟.
وأما ما أخرجه الطبراني والبيهقي من حديث الحسن بن علي وقوله فيه. كراهية أن يعلو رأسه، فيخص الكافر، فقد قال في نيل الأوطار: إن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة، ومقتضى التعليل بقوله: "أليست نفسًا"؟، أن ذلك يستحب لكل جنازة. ا. هـ. ملخصًا.
٣ أخرجاه في الصحيحين من حديث علي.
٤ عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جلس أحدكم لحاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها". رواه أحمد ومسلم.

<<  <   >  >>