أوثقهما؟ سواء كان من أهل المدينة أو من أهل الكوفة، وكان أهل التخريج منهم يخرجون فيما لا يجدونه مصرحًا، ويجتهدون في المذهب، وكان هؤلاء ينسبون إلى مذهب أصحابهم فيقال: فلان شافعي، وفلان حنفي، وكان صاحب الحديث أيضًا قد ينسب إلى أحد المذهب لكثرة موافقته له، كالنسائي والبيهقي، ينسبان إلى الشافعي، فكان لا يتولى القضاء ولا الإفتاء إلا مجتهد، ولا يمسى الفقيه إلا مجتهد، ثم بعد هذه القرون، كان ناس آخرون ذهبوا يمينًا وشمالًا وحدث فيهم أمور، منها الجدل والخلاف في علم الفقه. وتفصيله على ما ذكره الغزالي أنه لما انقرض عهد الخلفاء الراشدين المهديين أفضت الخلافة إلى قوم تولوهم بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، فاضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم، وقد كان بقي من العلماء من هو مستمر على الطراز الأول، وملازم صفو الدين، فكانوا إذا طلبوا هربوا أو أعرضوا، فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء، وإقبال الأئمة عليهم، مع إعراضهم، فاشرأبوا بطلب العلم توصلًا إلى نيل العز، ودرك الجاه، فأصبح الفقهاء، بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين، أذلة بالإقبال عليهم، إلا من وفقه الله. وقد كان من قبلهم قد صنف ناس في علم الكلام، وأكثروا القال والقيل، والإيراد والجواب، وتمهيد طرق الجدل. فوقع ذلك منهم بموقع من قبل أن كان من الصدور والملوك من مالت نفسه إلى المناظرة في الفقه، وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمه الله، فترك الناس الكلام وفنون العلم وأقبلوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة رحمه الله على الخصوص، وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد بن حنبل وغيرهم، وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع، وتقرير علل المذهب، وتمهيد أصول الفتاوى، وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات، ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات، وهم مستمرون عليه إلى الآن، لسنا ندري ما الذي قدر الله تعالى فيما بعدها من الأعصار، انتهى حاصله. ومنها: أنهم أطمأنوا بالتقليد ودب التقليد في صدروهم دبيب النمل، وهم لا يشعرون. وكان سبب ذلك تزاحم الفقهاء وتجادلهم فيما بينهم، فإنهم لما وقعت المزاحمة في الفتوى، كان كل من أفتى