للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا شاهدها. قال الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد، ومن هذا يتبين الفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع، والحكم المؤول الذي غايته أن يكون جائز الاتباع بأن الأول هو الذي أنزل الله تعالى على رسوله متلوًّا، أو غير متلو إذا صح وسلم من المعارضة، وهو حكمه الذي ارتضاه لعباده، ولا حكم له سواه، وأن الثاني أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها، ولا يكفر ولا يفسق من خالفها فإن أصحابها لم يقولوا هكذا حكم الله ورسوله قطعًا، وحاشاهم عن قول ذلك، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النهي عنه في قوله: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة رسوله فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن أجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم أن تخفروا ذممكم، وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله، ورسوله وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لا" أخرجه الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه من حديث بريدة، بل قالوا اجتهدنا رأينا فمن شاء قبله، ومن شاء لم يقبله ولم يلزم أحد منهم بقول الأئمة قال الإمام أبو حنيفة: "هذا رأي فمن جاء بخير منه قبلته" ولو كان هو عن حكم الله لما ساغ لأبي يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه، وكذلك قال مالك لما استشاره هارون الرشيد في أن يحمل الناس على ما في الموطأ فمنعه من ذلك وقال: "قد نفر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البلاد، وصار عند كل قوم من الأحاديث ما ليس عند الآخرين" وهذا الشافعي ينهى أصحابه عن تقليده، ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه، وهذا الإمام أحمد منكر على من كتب فتاويه ودونها ويقول: لا تقلدوني ولا تقلد فلانًا وفلانًا وخذ من حيث أخذوا". ا. هـ. كلام ابن القمي نقله الفلاني في: "إيقاظ الهمم".

وقال السيد الشريف المشتهر فضله في سائر الأقطار الأمير عبد القادر الحسني الجزائري ثم الدمشقي في مقدمة كتابه: "ذكرى العاقل، وتنبيه الغافل" ما نصه: "اعلموا أنه يلزم العاقل أن ينظر في القول ولا ينظر إلى قائله، فإن كان القول حقًّا قبله سواء كان

<<  <   >  >>