على ما هي عليه؛ لأن القلب الذي هو محل العلم بالإضافة إلى حقائق الأشياء كالمرآة بالإضافة إلى صور المتلونات تظهر فيها كلها على التعاقب، لكن المرآة قد لا تنكشف فيها الصور لأسباب أحدها: نقصان صورتها كجوهر الحديد قبل أن يدور ويشكل ويصقل، والثاني: لخبثه وصدئه وإن كان تام الشكل، والثالث: لكونه غير مقابل للجهة التي فيها الصورة كما إذا كانت الصورة وراء المرآة، والرابع: لحجاب مرسل بين المرآة والصورة وجهتها فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن ينجلي فيها صور المعلومات كلها، وإن خلت القلوب عن العلوم التي خلت عنها لهذه الأسباب الخمسة أولها نقصان في ذات القلب كقلب الصبي فإنه لا تنجلي له المعلومات لنقصائه، والثاني: لكدورات الأشغال الدينوية، والخبث الذي يتراكم على وجه القلب منها فالإقبال على طلب كشف حقائق الأشياء والإعراض عن الأشياء الشاغلة القاطعة هو الذي يجلو القلب ويصفيه، والثالث: أن يكون معدولًا به عن جهة الحقيقة المطلوبة، والرابع: الحجاب فإن العقل المتجرد للفكر في حقيقة من الحقائق ربما لا تنكشف له لكونه محجوبًا باعتقاد سبق إلى القلب وقت الصبا على طريق التقليد والقبول بحسن الظن فإن ذلك يحول بين القلب والوصول إلى الحق ويمنع أن ينكشف في القلب غير ما تلقاه بالتقليد، وهذا حجاب عظيم حجب أكثر الخلق عن الوصول إلى الحق لأنهم محجوبون باعتقادات تقليدية رسخت في نفوسهم وجمدت عليها قلوبهم، والخامس الجهل بالجهة التي يقع فيها العثور على المطلوب فإن الطالب لشيء ليس يمكنه أن يحصله إلا بالتذكر للعلوم التي تناسب مطلوبة حتى إذا تذكرها ورتبها في نفسه ترتيبًا مخصوصًا يعرفه العلماء فعند ذلك يكون قد صادف جهة المطلوب فتظهر حقيقة المطلوب لقلبه فإن العلوم المطلوبة التي ليست فطرية لا تصاد إلا بشبكة العلوم الحاصلة، بل كل علم لا يحصل إلا عن علمين سابقين يأتلفان ويزدوجان على وجه مخصوص فيحصل من ازدواجهما علم ثالث على مثال حصول النتاج من ازدواج الفحل والأنثى، ثم كما أن من أراد أن يستنتج فرسًا لم يمكنه ذلك من حمار وبعير، بل من أصل مخصوص من الخيل الذكر والأنثى، وذلك إذا وقع بينهما ازدواج مخصوص، فكذلك كل علم فله أصلان مخصوصان، وبينهما طريق مخصوص في الازدواج يحصل من ازدواجهما العلم المطلوب فالجهل بتلك الأصول وبكيفية الازدواج هو المانع من العلم ومثاله ما ذكرناه من الجهل بالجهة التي الصورة فيها". ا. هـ. ملخصًا.