للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مطلقًا يجري في مجراه الذي وضعه الله تعالى عليه، إلى أن يصل إلى غايته؛ أما المقيد بالعادات، فهو الذي لا شأن له، وكأنه لا وجوده له، وقد جاء الإسلام ليعتق الأفكار من رقها، ويحلها من عقلها، فترى القرآن ناعيًا على المقلدين، ذاكرًا لهم بأسوأ ما يذكر به المجرم ولذلك بني على اليقين ثم قال:

"على طالب العلم أن يسترشد بم تقدمه، سواء كانوا أحياء أم أمواتًا، ولكن عليه أن يستعمل فكره فيما يؤثر عنهم، فإن وجده صحيحًا أخذ به وإن وجده فاسدًا تركه، وحينئذ يكون ممن قال الله تعالى فيهم: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ١ الآية، وإلا فهو كالحيوان، والكلام كاللحام له أو الزمام يمنع به عن كل ما يريد صاحب الكلام منعه عنه، وينقاد إلى حيث يشاء المتكلم أن ينقاد إليه من غير عقل ولا فهم".

ثم ألمع إلى الأشياء التي تجعل الفكر صحيحًا مطلقًا، فقال: "إن الكلام عنه يحتاج إلى شرح طويل، ويمكن أن نقول فيه كلمة جامعة يرجع إليها كل ما يقال وهي الشجاعة، الشجاع: هو الذي لا يخالف في الحق لومة لائم فمتى لاح له يصرح به ويجاهر بنصرته، وإن خالف في ذلك الأولين والآخرين. ومن الناس من يلوح له نور الحق فيبقى متمسكًا بما عليه الناس ويجتهد في إطفاء نور الفطرة، ولكن ضميره لا يستريح فهو يوبخه إذا خلا بنفسه ولو في فراشه لا يرجع عن الحق أو يكتم الحق لأجل الناس إلا الذي لم يأخذ إلا بما قال الناس، ولا يمكن أن يأتي هذا من موقن يعرف الحق معرفة صحيحة".

وبعد أن أفاض في الكلام على الشجاعة وبين احتياج الفكر والبصيرة في الدين إليها قال: "وهنا شيء يحسبه بعضهم شجاعة، وما هو بشجاعة وإنما هو وقاحة وذلك كالاستهزاء بالحق وعدم المبالاة بالحق فترى صاحب هذه الخلة يخوض في الأئمة، ويعرض بتنقيص أكابر العلماء غرورًا وحماقة، والسبب في ذلك أنه ليس عنده من الصبر والاحتمال


١ سورة الزمر، الآية: ١٨.

<<  <   >  >>