وقوة الفكر، ما يسبر به أغوار كلامهم، ويمحص به حججهم وبراهينهم ليقبل ما يقبل عن بينة، ويترك ما يترك عن بينه، وهذا ولا شك أجبن ممن تحمل ثقل التقليد على ما فيه، وربما تنبع في عقله خواطر ترشده إلى البصيرة أو تلمع في ذهنه بوارق من الاستدلال لو مشى في نورها لاهتدى وخرج من الحيرة، وأما المستهزئ فهو أقل احتمالًا من المقلد فإن الهوى الذي يعرض لفكرة إنما يأتيه من عدم صبره، وثباته على الأمور وعدم التأمل فيها، والحاصل أن الفكر الصحيح يوجد بالشجاعة، وهي ها هنا التي يسميها بعض الكتاب العصريين:"الشجاعة الأدبية" وهي قسمان شجاعة في رفع القيد الذي هو التقليد الأعمى، وشجاعة في وضع القيد الذي هو الميزان الذي لا ينبغي أن يقر رأي ولا فكر إلا بعد ما يوزن به ويظهر رحجانه، وبهذا يكون الإنسان عبدًا للحق وحده، وهذه الطريقة طريقة معرفة الشيء بدليله وبرهانه ما جاءتنا من علم المنطبق، وإنما هي طريقة القرآن الكريم الذي ما قرر شيئًا إلا واستدل عليه، وأرشد متبعيه إلا الاستدلال، وإنما المنطق آله لضبط الاستدلال كما أن النحو آله لضبط الألفاظ في الإعراب والبناء". ا. هـ.