للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون عالمًا بموجبه، وإذا لم يكن قد بلغه، وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر أو بموجب قياس أو موجب استصحاب، فقد يوافق ذلك الحديث تارة، ويخالفه أخرى وهذا السبب الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفًا لبعض الأحاديث فإن الإحاطة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم تكن لأحد من الأمة، وقد كان النبي يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل الشيء فيسمعه أو يراه من يكون حاضرًا، ويبلغه أولئك أو بعضهم لمن يبلغونه فينتهي علم ذلك إلى من شاء الله من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم في مجلس آخر قد يحدث أو يفتي أو يقول شيئًا ويشهده بعض من كان غائبًا من ذلك المجلس، ويبلغونه لمن أمكنهم فيكون عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء، وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم أو جودته، وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا لا يمكن ادعاؤه قط واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته وأحواله خصوصًا الصديق -رضي الله عنه- الذي لم يكن يفارقه حضرًا ولا سفرًا، بل كان يكون معه في غالب الأوقات حتى إنه يسمر عنده بالليل في أمور المسلمين، وكذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فإنه -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يقول: "دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر" ثم مع ذلك لما سئل أبو بكر -رضي الله عنه- عن ميراث الجدة قال: "مالك في كتاب الله في شيء ولكن اسأل الناس"١ فسألهم فقام المغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلمة فشهد أن النبي أعطاها السدس، وقد بلغ هذه السنة عمران بن حصين وليس هؤلاء الثلاثة مثل أبي بكر وغيره من الخلفاء ثم قد اختصوا بعلم هذه السنة التي قد اتفقت الأمة على العمل بها، وكذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يكن يعلم سنة الاستئذان حتى أخبره بها أبو موسى استشهد بالأنصار٢. وعمر أعلم ممن حدثه بهذه


١ أخرجه سعيد بن منصور في سننه وعبد الرزاق في جامعه من حديث قبيصة بن ذؤيب وله تتمة.
٢ الحديث في الصحيحين وغيرهما.

<<  <   >  >>