للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها، ولم تكن بلغتهم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "في بروع بنت واشق"١ وهذا باب واسع يبلغ المنقول منه عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عددًا كثيرًا جدًّا، وأما المنقول منه عن غيرهم، فلا يمكن الإحاطة به فإنه ألوف فإن هؤلاء كانوا أعلم الأمة وأفقهها وأتقاها وأفضلها، فمن بعدهم أنقص، فخفاء بعض السنة عليه أولى فلا يحتاج إلى بيان فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة وإمامًا معينًا فهو مخطئ خطأ فاحشًا قبيحًا.

ولا يقولن قائل: "إن الأحاديث قد دونت وجمعت، فخفاؤها والحال هذه بعيد! " لأن هذه الدواوين المشهورة في السنن، إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين، ومع هذا فلا يجوز أن يُدعى انحصار حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة، وهو لا يحيط بما فيها، بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير لأن كثيرًا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع أو لا يبلغنا بالكلية فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين، وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية. ولا يقولن قائل "من لم يعرف الأحاديث كلها لم يكن مجتهدا" لأنه إن اشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله فيما يتعلق بالأحكام فليس في الأمة مجتهد، وإنما غاية العلم أن يعلم جمهور ذلك وعظمه بحيث لا يخفى عليه إلا القليل من التفصيل، ثم إنه قد يخالف ذلك القليل من التفصيل الذي يبلغه.

السبب الثاني:

أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده إما لأن محدثه أو محدث محدثه أو غيره من رجال الإسناد مجهول عنده أو متهم أو سيئ الحفظ، وإما أنه لم يبلغه مسندًا بل منقطعًا أو لم يضبط لفظ الحديث مع أن ذلك الحديث، قد رواه الثقات لغيره بإسناد متصل بأن يكون غيره يعلم من المجهول عنده الثقة، أو يكون قد رواه غير


١ أي فإنه قضى لها بمهر مثلها والحديث عند أحمد وأهل السنن.

<<  <   >  >>