للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيما سمعه من الحديث لا في زمانه -صلى الله عليه وسلم- ولا بعده في زمان الصحابة -رضي الله عنهم- وهذا تقرير منه -صلى الله عليه وسلم- بجواز العمل بالحديث لغير المجتهد، وإجماع من الصحابة عليه، ولولا ذلك لأمر الخلفاء غير المجتهد منهم سيما أهل البوادي أن لا يعملوا بما بلغهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مشافهة أو بواسطة حتى يعرضوا على المجتهدين منهم، ولم يرد من هذا عين ولا أثر؛ وهذا هو ظاهر قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ١ ونحوه من الآيات حيث لم يقيَّد بأن ذلك على فهم الفقهاء، ومن هنا عرفت أنه لا يتوقف العمل بعد وصول الحديث الصحيح على معرفة عدم الناسخ، أو عدم الإجماع على خلافه، أو عدم المعارض، بل ينبغي العمل به إلى أن يظهر شيء من الموانع، فينظر ذلك، ويكفي في العمل كون الأصل عدم هذه العوارض المانعة عن العمل، وقد بنى الفقهاء على اعتبار الأصل في شيء أحكامًا كثيرة في الماء، ونحوه لا تحصى على المتتبع لكتبهم، ومعلوم أن من أهل البوادي والقرى البعيدة من كان يجيء إليه -صلى الله عليه وسلم- مرة أو مرتين ويسمع شيئًا ثم يرجع إلى بلاده ويعمل به والوقت كان وقت نسخ، وتبديل ولم يعرف أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أحدًا من هؤلاء بالمراجعة ليعرف الناسخ من المنسوخ بل إنه قرر من قال٢: "لا أزيد على هذا ولا أنقص" -على ما قال- ولم ينكر عليه بأنه يحتمل النسخ بل دخل الجنة إن صدق؛ وكذلك ما أمر الصحابة أهل البوادي وغيرهم بالعرض على مجتهد ليميز له الناسخ من المنسوخ؛ فظهر أن المعتبر في النسخ ونحوه بلوغ الناسخ لا وجوده، ويدل على أن المعتبر البلوغ لا الوجود أن المكلف مأمور بالعمل على وفق المنسوخ ما لم يظهر عنده الناسخ فإذا ظهر لا يعيد ما عمل على وفق المنسوخ بل صحح ذلك حديث نسخ القبلة


١ سورة الحشر، آية: ٧.
٢ هذا حديث الأعراب الذي سأل عن الإسلام من صلاة وصيام وغيرهما من الفرائض، ثم أدبر وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق"، أو "دخل الجنة إن صدق". أخرجه الشيخان وأصحاب السنن، إلا الترمذي.

<<  <   >  >>