للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الكعبة المشرفة، فإن خبره وصل إلى أطراف المدينة المنورة كأهل قباء، وغيرهم بعدما صلوا على وفق القبلة المنسوخة فمنهم من وصله الخبر في أثناء الصلاة ومنهم من وصله بعد أن صلى الصلاة والنبي -صلى الله عليه وسلم- قررهم على ذلك ولم يأمر أحدًا منهم بالإعادة فلا عبرة لما قيل: "لا يجوز العمل قبل البحث عن المعارض والمخصص وإن ادُّعي عليه الإجماع" فإنه لو سلم فإجماع الصحابة وتقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدم على إجماع من بعدهم على أن ما ادُّعي من الإجماع قد علم خلافه كما ذكر في بحر الزركشي في الأصول" انتهى ملخصًا.

الثمرة السابعة:

قال ابن السمعاني: "متى ثبت الخبر، صار أصلا من الأصول، ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر لأنه إن وافقه فذاك وإن خالفه لم يجز رد أحدهما لأنه رد للخبر بالقياس وهو مردود بالاتفاق فإن السنة مقدمة على القياس". ا. هـ.

ومنه يعلم أن من رد حديث أبي هريرة في المصراة١، المتفق عليه؛ لأنه لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما رواه مخالفًا للقياس فقد آذى قائله به نفسه وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه، ولا قول لأحد مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كائنًا من كان، وأيا كان وممن كان و"إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل"٢، وأين القياس وإن كان جليًّا من السنة المطهرة إنما يصار إليه عند فقد الأصل من الكتاب والخبر لا مع وجود واحد منهما.

وقال ابن السمعاني في الاصطلاح: "التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة، وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له


١ التصرية: حبس اللبن في الضروع؛ والمصراة: الشاة أو الناقة تترك عن الحلب أياما حتى يعظم ضرعها، ويخيل للمشتري غزارة لبنها فيغتر. وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك. فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وأن سخطها ردها وصاعا من تمر" وأخرجه البخاري عن ابن مسعود أيضًا.
٢ هو من أمثال المولدين، ذكره الميداني في مجمع الأمثال ص٥٨.

<<  <   >  >>