للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغيرها، فما تركوا لنًا من فنونه إلا وخرجوا على المسلمين بتصنيف فيه، شكرًا لنعمة الله تعالى عليهم، وأداءً لما أوجبه الله عز وجل عليهم من أمانة التبيين، وما حذرهم وأغلظ عليهم من عاقبة الكتمان للعلم، ومنعه مستحقيه وأهله. وإنى- إن شاء الله- لحريص على إيراد ما يمكننى من فوائد وتعليقات وتنبيهات على ما أتناوله من أحاديث، وما أحكيه من أهل العلم بشأنها، لا أخشى ملامة ولا آبه بنقد إلا ما استند إلى أساس علمى سليم. وجزاهم الله عنا وعن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته خير الجزاء، وثقَّل بها موازينهم، وبيَّض بها وجوههم {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} - كيف لا، و "هم القوم لا يشقى جليسهم"، وهم الرجال، وسائر من أتى بعدهم عليهم عيال! وإنما نحن متشبهون، ومحبون، ومؤتسون.

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرجال فلاح

أما إدراك شأوهم، وبلوغ فضلهم، ونيل منازلهم فهيهات هيهات. فالمغرور من ظن أنه صار- بين عشية وضحاها- كأحدهم، فقال: "هم رجال ونحن رجال"! ، فضلًا عن أن يظن أنه خير من أدناهم! وما أوتى هذا إلا من ترك التأدب بآداب المتعلمين، وغفل عن أن: "التخلية قبل التحلية" كما يقول أهل الزهد والتصوف، وهذه كلمة حق، فإد التخلى عن الرذائل والآفات الظاهرة والباطنة واجب شرعى لابد أن يسبق تحلية الظواهر، والاهتمام بالصور.

ولابد لمن بَغَى الخلاص والسلامة أن يبدأ بنفسه فيزكيها ويطهرها من الأدناس {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)}، ويحرص على الإِزراء عليها وتكميل نقصها ومعالجة نقائصها، لا ينى في ذلك طرفة عين.

فمن لم يبدأ بنفسه فيحملها على التواضع وخفض الجناح، وينظر إليها بعين

<<  <  ج: ص:  >  >>