وتواضعًا، وودًّا وتراحمًا، والعجب فإن من صفات المؤمن أنه أليف مألوف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أقربهم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، المطَّئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون))، فإحساس المؤمن بإخوانه، وشعوره بحاجتهم، وحرصه على ما ينفعهم أسس في العلاقات بين إخوة الإيمان.
وإذا كنا نتحدث عن الإيثار في كتاب الله، وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن صور الإيثار بين الإخوة المتحابين في الله لا تراها إلا في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم من سلف الأمة الصالح، وإلى يومنا هذا ترى بعض هذه الصور المشرقة بنور الله لمن آمنوا بالله حق الإيمان، وربطت العلاقات الإيمانية والمحبة الإيمانية بين قلوبهم؛ فكان لقاؤهم لله ومن أجل الله، وما أجمل حياة هذا الإخاء أساسها، وما أكرم عيشًا يظله هذا الحب بظله الرحيم.
وقد علمنا أن حقوق الإخوان كثيرة: هناك الحقوق المالية والحقوق الأدبية، وهي في النهاية تشكل سياجًا متينًا يحوط هذه الأخوة من كل جانب يحميها من كل خطر ويدفع عنها كل سوء، ولما لا وهي أخوة نبتت في جو طهر وسُقيت من معين الإيمان، ورعتها العناية الإلهية وحرصتها القوة الربانية، إنها أخوة لله وفي الله ومن أجل الله، لا يجتمع أصحابها من أجل غرض من أغراض الحياة الدنيا، ولا عرض من أعراضها الزائلة فتزول بزوال هذا الغرض، وتتحول بتحول هذا العرض إنما هي باقية ممتدة؛ لأنها مرتبطة بالباقي الذي لا يزول، ولذلك بقيت وامتدت إلى يوم القيامة وإلى ما بعد يوم القيامة كما قال ربنا:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ}(الزخرف: ٦٧ - ٧٣).