الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:
ففي قصص القرآن عبرة لأولي الألباب، وبين أيدينا من هذا اللون قصة أخرى وردت في سورة {ن وَالْقَلَم}، هي قصة أصحاب الجنة، والتي سندرسها على طريقة منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وما دامت آيات القصة في موضع واحد -أي: في سورة واحدة- فالأمر كما تعلمون لا يحتاج إلى جمع آيات الموضوع من سور متعددة حتى تكتمل لنا صورته، فننظر فيها نظرة فاحصة متأملة؛ لنبرز الموضوع متسقًا متكاملًا.
أمّا في الموضوعات التي يذكر فيها الموضوع في سورة واحدة -كما ترى في هذه القصة التي سندرسها- فإن ذلك يكون من خلال ربط القصة بهدف السورة، وبيان ارتباطها بما سبقها من الآيات، وكيف أنها تفضي إلى ما بعدها من الآيات، مع عرض أحداث القصة ومشاهدها، وكيف حققت أهدافها.
والهدف أو المحور الذي تقوم عليه سورة "القلم" هو إيناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتسليته، وتطمين قلبه وتثبيت فؤاده، ببيان منزلته، والرد على أعدائه، وأن العاقبة له، وأن الخسران والبوار والهلاك للمكذبين برسالته، ولكم كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون معه بحاجة إلى هذا الإيناس وذلك التطمين والتثبيت، بعد أن كشّر الكفر عن أنيابه، وانبرى المشركون يكيدون للإسلام وأهله كيدًا يزلزل الجبال، فقد رأوا في هذا الدين خطرًا على ما هم فيه من عقائد فاسدة، وأحوال كاسدة، وعادات بالية، وأوضاع اجتماعية مزرية، مكنت للسادة منهم أن يفرضوا سيادتهم على رقاب المستضعفين، وأن يمتصوا دماءهم، وأن يقودوهم إلى حيث يريدون، ولهذا عظُم هول المعركة.