فكيف سلك الأنبياء الطريق حتى بلّغوا رسالة ربهم، ووصلوا إلى قلوب وعقول الحائرين في متاهات الباطل، فدلوهم على طريق السعادة في الدنيا والآخرة، بيان هذا الطريق والحديث عن هذا المنهج يحتاج أن نقف على كل ما أتى به الأنبياء في دعوتهم للناس؛ لنرى كيف استطاعوا إقناع أممهم بالانتقال من الكفر إلى الإيمان، ومن سوء الأخلاق إلى محاسنها، وكيف رغّبوهم في عبادة ربهم بالصلاة والصيام والزكاة وألوان الأذكار، وكيف جعلوهم يأخذون بشريعة الله في حياتهم، وهذا يعني الإشارة إلى ما جاء في كتاب الله في ذلك كله، وهذا أمر يصعب تحقيقه، لما يحتاج إليه من الوقت، ونحن نريد أن نقف على كيف نجح الرسل في تبليغ رسالة ربهم، فيكفينا في ذلك أن نشير إلى الأدلة أو إلى بعضها، ولا نفصّل في ذلك إلّا بما يقتضيه المقام.
وبداية الطريق أن العقائد وما يترتّب عليها من أعمال لا تأتي بالإكراه، ولهذا قال تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(البقرة: ٢٥٦) وأن الإقناع ينبع من قوة الحجة ونصاعة البرهان، يحمل ذلك إلى الناس رجلٌ له من المؤهلات ما يجعله مَحَلّ القبول، وقد كان الرسل -عليهم السلام- على أعظم ما يكون الإنسان خلقًا وخلقًا، فهم من أشراف قومهم، ليس بواحد منهم عيب منفر ولا خلق سيء، إنما هم أكمل الناس أدبًا وأمانة وصدقًا وإخلاصًا، ولذلك جاء كل رسول يقول لقومه:{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}(الشعراء: ١٠٧)، ذكر الله بعض من قال ذلك في سورة "الشعراء"، وفي "الأعراف"، وفي "الدخان"، ولذلك كان أهل مكة يلقِّبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة بالصادق الأمين.