للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلنتأمّل كيف تمَّ غرس شجرة التوحيد في وجدان وقلب من لا يدينون بدين وهم الملحدون، ومن يعبدون الأصنام والأوثان والكواكب والمخلوقات الأخرى، في تاريخ الدنيا نبت نبات خبيث هو الإلحاد، ومعناه: إنكار وجود إله خالق لهذا الوجود، قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (الجاثية: ٢٤) كما كان هناك فريق آخر اعترف بالله خالقًا رازقًا يحيي ويميت، ولكن هذا الفريق صرف عبادته وطاعته لأصنام أو أوثان أو أحجار أو ما إلى ذلك، وادّعى أن هذه المعبودات وسائط تقربه إلى الله زلفى، فمع أنه وحَّد الله في ربوبيته، إلا أنه أشرك به في ألوهيته وفي أسمائه وصفاته.

فكيف اقتلع الأنبياء بذرة هذا الإلحاد وذلك الشرك؟:

حين ذكر الله هؤلاء الذين قالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر قال: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (الجاثية: ٢٤) فبيّن أنهم جهلة لا يدركون حقائق الأشياء، ولا ما يقتضيه النظر الصحيح، من أنه لا بد للخلق من خالق، وللسبب من مسبِّب، وللوجود من موجِد، وأن هذا الكون بما فيه من إحكام وإتقان، بل كل ذرة فيه تحمل من عجائب الخلق ما لا تحيط به العبارات، وكل ذلك يدل على إله متّصف بصفات الكمال والجلال، والمقام لا يتسع لذكر ما قال العلماء في الرد على من قال بأنّ هذا الكون قد وُجِد بالصدفة، فنكتفي ببعض ما ذكره العلامة "نيوتن" أعظم علماء الطبيعيات، يقول: "لا تشكوا في الخالق؛ لأنه مما لا يعقل أن تكون الضرورة وحدها هي قائدة الوجود؛ لأن ضرورة عمياء متجانسة في كل مكان وزمان؛ لا يتصور أن يصدر منها هذا التنوع في الكائنات، ولا هذا الوجود كله بما فيه من ترتيب أجزائه وتناسبها مع

<<  <   >  >>