وتنتقل القصة لتصوّر مشهدًا آخر في مواجهة تدبير أصحاب الجنة، وما عقدوا عليه العزم، إنه تدبير الله، فتقول:{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}(القلم: ١٩، ٢٠) فانظر لجمال العرض في دقة المقابلة بين فعل البشر وفعل رب البشر؛ رب السموات والأرض، فالآيتان تعرضان مشهدًا من مقدّمة ونتيجة في لقطة فنية سريعة، توقظ الأحاسيس والمشاعر، فالفاء في قوله:{فَطَافَ}(القلم: ١٩) تدلك على أن أمر الله نزل بجنتهم بعد أن عقدوا العزم على فعلتهم على وجه السرعة، والطواف الذي طاف عليها، يعني: الإحاطة من كل جانب، ومعنى هذا أنه لم يترك منها موضعًا.
والتعبير بالربوبية مضافة إلى المخاطب وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له الخطاب، فيه إظهار لهيمنة الله وقدرته على فعل ما يشاء، وفيه لفت للأنظار إلى أنّ هؤلاء لم يفهموا ولم يدركوا أنّ ما آل إليهم من ملكية هذه الجنة، إنما ذلك محض عطاء الله وفضله، وأن ما تجود به من الثمار نعمة من الله تستحق الشكر، ويأتي قوله:{وَهُمْ نَائِمُونَ}(القلم: ١٩) ليكمل الصورة؛ لتتخيل هؤلاء في غفلتهم، يغُطّون في نومهم، لا يدرون ما دبره الله في جنتهم، كما تدل هذه الصورة على بلادة حسهم، وأنهم لم تتحرك فيهم ذرة من رحمة وعطف على الفقراء، وأنهم لم يتألموا لمنع هؤلاء الفقراء، إنما ذهبوا لبيوتهم فناموا ملء جفونهم؛ كأنهم لم يصنعوا شيئًا.
وقد توعد الله من لم يحض على طعام المسكين بسوء العذاب فقال:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}(الحاقة: ٣٠ - ٣٤) فما بالكم بمن منع المساكين من خيره وبره،