وكل فعل يشع نورًا من محيَّ الإنسان المسلم، وهذا الإنسان هو الذي يكوِّن الأسرة المسلمة، وهو الذي أوصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتزويجه فقال:((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، أو وفساد عريض)).
فإذا كان هذا هو الأساس الأول فإن الأساس الثاني يقوم على أن العلاقة التي ستكون بين الرجل والمرأة ليست كالعلاقة التي تقوم بين ذكر وأنثى في عالم الحيوان، والطيور، وما إلى ذلك، وليست لمجرَّد قضاء متعة ينطلق كل منهما لشأنه، فإذا ما كان هناك حملٌ وأبناء تولَّت الدولة القيام على أمرهم؛ ظنًّا منها أن هذا الأسلوب يُمكن أن يوجد أسوياء، وما علم هؤلاء أن الأبناء في عالم الإنسان في حاجة إلى دفء الأمومة ورعاية الأبوة، والتنشئة من خلال الأسرة الممتدة مع الإخوة والأخوات والأقارب والأهل، يقول أبو الأعلى الموجود في كتاب له عنوانه (نظام الحياة في الإسلام): إن البيت هو المؤسسة التي تدرّب فيها كل سلالة أخلافها؛ لتعدهم لتحمل تبعات التمدّن الإنساني العظيمة بغاية من الحب والمواساة والتودد والنصح.
فهذه المؤسسة لا تُهيّئ الأفراد لبقاء التمدن البشر ونموه فحسب، بل هي مؤسسة يودّ أهلها من صميم قلوبهم وأعماق صدورهم أن يخلفهم من هو خيرٌ منهم وأصلح شأنًا، وأقوم سبيلًا؛ فالحقيقة التي لا تُنكر على هذا الوجه أن البيت هو جذر التمدن البشري وأصله، وأنه يتوقف على صحة الجذر وقوته صحة التمدن البشري نفسه وقوته، ومن ثَمَّ نرى أول ما يهتم به الإسلام ويعتني به من وسائل الاجتماع إنما هو أن يقيم مؤسسة البيت، ويقرها على أصح الأسس وأقومها.