وليس هذا من الضرورة في شيء، لكن الإصرار عليه قد يؤدي إلى عدم إتمام الزواج، أو يلقي بظلاله على الزوجين بعد الزواج، حين يستيقظ الزوج في صباح يوم الدخول ليرى ديونًا للآخرين، يعجز عن الوفاء بها، وقد يستمر لفترة طويلة من الزمان يسدد في أقساطها، مما يجعله ينظر إلى زوجته وأهلها نظرة الكاره لهم ولها، وما بمثل هذا الأسلوب تنتظم حياة الأسر ويقام بيت من السعادة والحب.
فهذا هو السبب الرابع من أسباب سوء العشرة، أدى إليه الانقياد الأعمى إلى عادات وتقاليد بالية، دون مراعاة لظروف من يريد الزواج، بل ودون نظر إلى ما يتحمله كثير من الآباء من ديون في سبيل تجهيز بناتهم، فليت الناس يتقون الله في أنفسهم وبناتهم، وليتهم يقتدون في ذلك بإمام المرسلين -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، في عدم مغالاتهم في المهور، وعدم تحملهم لتكاليف الزواج الباهظة، فما كانت في بيوتهم الأسِرّة الفاخرة، والمقاعد الوفيرة، والتحف الغالية، وما إلى ذلك مما تراه في بيوتنا، إنما كان فراشهم بسيطًا ومتاعهم قليلًا.
بل إن هذا التيسير في الصداق وإعداد البيت كان سمة لمجتمعاتنا إلى وقت قريب، وقد رأيت بنفسي ذلك، حيث كان مهر الفتاة لا يتجاوز الخمسين جنيهًا، وبهذا المبلغ تجهز العروس بجهاز لا يتجاوز فرش حجرة، وبعض ما يلزم العروس وبيت الزوجية.
هذه المقدمات -التي هي أساس ما يكون من حسن العشرة أو سوء العشرة- لو أمكن ضبطها بميزان الشرع لتخطينا كثيرًا من العقبات التي تدمر حياة الأسر، وتترك في القلوب الأسى والضغينة، وتفرق بين الزوجين.
فإذا ما تم الزواج بدأت حياة زوجية قائمة على المحبة والرضا، والتغاضي عن الهفوات، وأساسها:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}(النساء: ١٩). ونبراسها:((لا يَفْرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يكره مؤمن مؤمنة- إن كره منها خلقًا رضي منها آخر)).