كما قال تعالى:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}(النساء: ٣٥).
يقول البيضاوي:"فابعثوا أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما لتبيين الأمر، أو إصلاح ذات البين رجلًا وسطًا، يَصلح للحكومة والإصلاح من أهله وآخر من أهلها، فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح، ولم يدع القرآن وسيلة إلا وسلكها للمحافظة على هذا الرباط، فرأى أن النشوز كما قد يكون من جانب الزوجة قد يكون -كما قلنا- من جانب الزوج أيضًا بأن يقل محادثتها ومؤانستها؛ وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة، أو شيء في خَلق أو خُلق أو ملال، وطموح عين إلى أخرى، وما إلى ذلك، ولو ترك هذا ربما أدى إلى تشريد الأسرة وهدم بيت الزوجية".
لذلك دعا القرآن الزوجة للتنازل عن بعض حقها في المبيت أو النفقة، فقال ما تلوناه من قبل:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. نعم الصلح خير من الفرقة؛ فإن التمادي على الخلاف والشحناء والمباغضة هي قواعد الشر، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في البغضة بأنها الحالقة، يعني: حالقة الدين لا حالقة الشعر.
ولعلنا نلمس دعوة القرآن للإحسان والتقوى في مثل هذا الأمر، وأولى الناس بالإحسان زوجة رضيت أن تتنازل عن حقها، وأحق الناس محافظة على مشاعرها امرأة ضعيفة، لم تجد بُدًّا من ترك ما لها على زوجها، فتقوى الله وخشيته تدفعان إلى مراعاة كل ذلك {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}(النساء: ٣٥) وهو ختام للآية يحمل ترهيبًا شديدًا للأزواج الناشزين.
ولهذا رأى المالكية أن القاضي إذا عرض عليه الأمر وعظ الزوج أولًا، فإن لم يفد أمره بهجره وإن لم يفد ضربه، وقالوا في الزوج بأنه يسجن.